*** اخنوخ *** من شخصيات الكتاب المقدس
"""وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" "" " تك 5 : 24 "
كل ما ذُكر عن أخنوخ في كل الكتاب هو سبعة أعداد. ومع ذلك نجد اسمه ضمن قائمة "أبطال الإيمان" (عب11).
ونعرف من التاريخ المقدس أن رجلين فقط لم يذوقا الموت، وهما "إيليا وأخنوخ". وماذا عن هذا البطل أخنوخ؟ وما الذي ميَّز سيرته؟ وما هي الدروس التى نتعلمها من حياته؟ يُخبرنا الكتاب أنه "سار مع الله". فماذا يعنى ذلك؟ وهل نستطيع نحن الآن أن نحيا كأخنوخ؟
أعتقد أنه من الممكن جداً أن نحيا كأخنوخ. ولكي نسير مع الله مثله، علينا مُراعاة هذه الأمور الثلاثة الهامة جداً وهى:
1 - أن نحيا ونعيش في نور محضر الله. فنعيش في ملء اليقين أن الله يرانا ويرى أمورنا ويقرأ أفكارنا ويعرف خفيات قلوبنا (مز 44: 21 ) . لقد أدرك داود هذا الأمر المبارك فقال "من وجهك أين أهرب؟" (مز 44: 21 ) . وبولس كتب إلى تيموثاوس وناشده "أمام الله" (مز 44: 21 ) .
2 - نحن نحتاج أن ندرب أنفسنا في توطيد علاقة وثيقة وشركة عميقة مع الرب من خلال كلمة نعمته والصلاة. في المزمور الأول يكلمنا الوحي عن نوعين مختلفين من الناس، أولهما يعطى لكلمة الله المكان الأفضل في الحياة، ويلهج فيها نهاراً وليلاً. ويسمح لكلمة الله أن تسكن في قلبه بغنى وتسيطر على أفكاره وأعماله وكل كيانه.
3 - في رسالة تسالونيكى الأولى نقرأ "صلوا بلا انقطاع" (1تس 5: 17 ) . وهذا يعنى ببساطة أن أكون دائماً في حالة الاعتماد والاستناد اللحظي على الرب.
هذه الأمور الثلاثة تعطينا فكرة عن ماذا يُقصد بالسير مع الرب، فليت الرب يعطينا كل يوم في سيرنا أن نشعر ونعيش في نور محضره الكريم، ويساعدنا لكى نستند عليه لحظياً بالصلاة وننقاد بنور وسراج الكلمة العظيمة.
علمني أنتظرك يا رب عرفني رؤيتك للدرب فليس لـــــــــــي ســـواك أنــت سندي وروحــــك يقودنــــــي وكلامـــــك سراجـــــــي ...
*** غايس الحبيب ***
غايس الحبيب ... فرحت جداً إذ حضر إخوة وشهدوا بالحق الذي فيك كما أنك تسلك بالحق ... 3 يو 2 : 1 ...
تميَّز غايس بثلاث صفات على الأقل:
(1) كان سالكاً في الحق:
لقد حضر بعض الإخوة إلى يوحنا وشهدوا بالحق الذي فيه (3يو3) وهذا كان سر سلوكه المستقيم. إن الحق كان في باطنه، لقد عاش في قوة كلمة الله، فلم يتعلمها فقط بل سلك بموجبها، فتم فيه طلب الرسول « فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق » (أف6: 14). لقد طهَّر نفسه في طاعة الحق للمحبة الأخوية (1بط1: 22).
(2) كان سخياً:
لقد أحسن الله إليه بوفرة من المال، وإذ اعتبر نفسه وكيلاً فقط على هذا المال، استخدمه كما يحق، إذ يقول له الرسول « أيها الحبيب أنت تفعل بالأمانة كل ما تصنعه إلى الإخوة وإلى الغرباء » (3يو5). لقد خرج الكثيرون من أجل اسم الرب وهم لا يأخذون شيئاً من الأمم، وكان يلزم أن تسدد احتياجاتهم المتعددة بواسطة الإخوة في الجهات المختلفة. لقد أضاف غايس الرسول بولس مرات عديدة، ولكنه لم يكن ليغض الطرف عن الإخوة الآخرين، إذ خدمهم مادياً وأعانهم في طريق الحياة بكيفية تُعلن شركته القوية مع الله، خدمهم كما يحق لله (3يو6) وبعمله هذا صار عاملاً معهم بالحق (3يو8 والرسول بطرس يحرّض المؤمنين على أن يضيفوا بعضهم بعضاً بلا دمدمة (1بط4: 9) لأن هذه الخدمة المباركة هى من أقوى الدلائل على التقوى والشركة الحقيقية مع الرب (1تي5: 10؛ عب13: 2؛ رو12: 13؛ تي1: 8
(3) كانت محبته عملية:
لقد شهد هؤلاء الإخوة الغرباء بمحبته أمام الكنيسة (3يو6). فقد ظهرت محبته في أعمال البر والخير وليس فقط في كلمات الرحمة. لقد حرص على تنفيذ كلمات الرسول « وأما مَنْ كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً وأغلق أحشاءه عنه، فكيف تثبت محبة الله فيه. يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق » (1يو3: 17،18. إنه متى وُجدت محبة حقيقية لشعب الرب، فلا بد وأن تُظهر ذاتها في الأعمال التي تليق بطبيعة الله الذي هو محبة. إن غايس كان لا مجرد متعلم من الكلمة بل كان عاملاً بها، وذلك لأنه كان يحب الحق.
ليت الرب يضاعف من أمثال هذا المؤمن الحبيب، فيرى في الكنيسة مَنْ ينفِقون ويُنفَقون لأجل شخصه العزيز وشعبه المحبوب.
*** فيبى الخادمة *** من شخصيات الكتاب المقدس **
فيبي :
والاسم يعنى « بهية ». وبحق كانت فيبي أشبه بالنجم الذي يلمع ويضيء في قلب الظلام، فقد كانت خادمة الكنيسة التي في كنخريا. و « كنخريا » هي الميناء الشرقي لكورنثوس. وكانت كورنثوس أشر مدينة في أوربا في ذلك الوقت - بل كانت مضرباً للأمثال في الخلاعة والفجور والإباحية - حتى أصبحت كلمة « يتكرنث » (أي بتصرف كأهل كورنثوس) مرادفة للخلاعة والفساد. وإذا قيل « امرأة كورنثية » فإنهم كانوا يقصدون بذلك أنها سيئة الأدب والسيرة.
وإذا كانت كورنثوس في حد ذاتها أشر مدينة في أوربا، فبالأولى يتضاعف الشر في كنخريا. فالمواني في العادة من أشرّ الأماكن وأكثرها تعرضاً للفساد. ومع ذلك فقد ظهرت « فيبي » بهية لامعة مُنيرة مُضيئة وسط الظلمة الأدبية التي غطت كورنثوس وكنخريا وأضاءت كما يضيء القمر في أحلك الليالي.
وكفيبي أيضاً « نحن نور في الرب » (أف8:5) . « فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات » (مت16:5) . « .. في وسط جيل معوّج وملتوِ تضيئون بينهم كأنوار في العالم متمسكين بكلمة الحياة » (فى15:2، 16). والرب لا يقول « لتضئ أعمالكم الحسنة »، بل « ليضئ نوركم » ـ أي ليظهر المسيح فيكم، لكي يتمجد الآب.
وتوصف فيبي أنها « خادمة الكنيسة التي في كنخريا ». وكلمة « خادمة » (دياكونوس أي « شماسة » )، هي مؤنث الكلمة اليونانية « دياكون » المترجمة « شماسا » (فى1:1؛1تى8:3، 12). كما نجد الكلمة « دياكونوس » ومشتقاتها تُستخدم في العهد الجديد بالارتباط بخدمة الاحتياجات المادية (رو25:15،2كو4:8 بل وتُطلق على « الخدام » الذين كانوا في عُرس قانا الجليل (يو5:2،9). وعلى خدمة مرثا في عبارة « أخدم وحدي » (لو40:10) . وكما قيل عن حماة بطرس « وصارت تخدمهم » (مر31:1) .
ويستخدم لوقا البشير نفس الكلمة اليونانية « دياكونيو« في قوله عن « مريم المجدلية ... وأُخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن » (لو2:8، 3). وهكذا يمكننا أن نتأكد أن خدمة فيبي لم تأخذ صورة الوعظ أو التعليم الجهاري في الكنيسة (1كو34:14، 35.1تى12:2)، بل كانت في النواحي المادية مثل طابيثا (أع39:9) وذلك في مجالها الخاص كأخت.
*** صموئيل ***
فقال الرب لصموئيل: حتى متى تنوح على شاول وأنا قد رفضته
(1صم16: 1)
يكشف الروح القدس أمامنا صموئيل
كبطل من أبطال الإيمان، وكرجل من رجال الصلاة. رجل يمثل لنا الأشخاص المُخلصين الذين لا يراعون صوالحهم الشخصية، بل صالح عمل الرب.
فمَنْ كان يظن أن صموئيل ينوح على شاول المتمرد، وعلى الشعب الذي رفضه؟ كان من المنتظر أن صموئيل يشتكي عليهم، ولكن العجيب أنه كان ينوح عليهم، ولا شك أنه طلب كثيراً لأجل إصلاحهم. وكل الآلام التي تألم بها من جراء تمرد الشعب ورفضهم لله، لم تجعله يمتنع عن أن يطلب من أجلهم ومن أجل ملكهم العاصي « حاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم .. » (1صم12: 23).
والمُدهش أنه لم يكف عن الصلاة والنوح إلى أن قال له الله: « حتى متى؟ » لقد كان يصلي بقلب منكسر ودموع مستمرة. لقد كان مشغولاً بعمل الرب وراحة شعبه. وكان مثله كمثل إرميا النبي الذي انتحب قائلاً: « يا ليت رأسي ماء وعينيَّ ينبوع دموع فأبكي نهاراً وليلاً قتلى بنت شعبي » (إر9: 1). إن أشخاصاً من هذا النوع يستحقون المدح والكرامة.
وقد استجاب الرب لصموئيل واستخدمه في خدمة جديدة كفكف بها دموعه إذ قاده لاختيار الشخص الذي حسب مسرة قلب الله، وليس حسب شهوة الناس واختيارهم. لأن الشخص المختار من الرب رأساً هو وحده الذي يبني ويصلح.
فطوبى للخادم الذي يُقيمه الرب ويمسحه، أما شاول فلم ينفع لأن مصدر اختياره من الشعب، وهذه نفس الغلطة التي وقعت فيها المسيحية الاسمية إذ بدلاً من أن تنتظر من الله أصحاب المواهب، اختارت لنفسها حسب نظرها، وهذا ما أشار إليه الرسول « حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مُستحكة مسامعهم فيصرفون مسامعهم عن الحق « (2تي4: 3).
ماذا نفعل عندما نجد أن الحصاد كثير والفعلة قليلون؟ الإجابة: « فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده » (مت9: 37). يجب أن نعرض حاجتنا على الله الذي أعطى ولا يزال يعطي لأن « كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران » (يع1: 17).
صموئيل المتشفع في الشعب
وطلبت من بينهم رجلاً يبني جداراً، ويقف في الثغر أمامي عن الأرض لكي لا أخربها، فلم أجد
(حز22: 3)
في كل ظرف من ظروف حياة صموئيل، ماذا كنا نفعل مكانه؟
عندما تُنزع الثقة فينا ونُغش ولا يفهمنا الآخرون، ما هو رَّد فعلنا؟ من الطبيعي جداً أن ننطوي على ذواتنا، وأن ننتظر أن يعاقب الله الذين أساءوا إلينا وأن يُظهر أننا على حق! لكن صموئيل يعلمنا أن نصرخ إلى الله في هذه الحالات، وأن نضع ثقتنا فيه، وأن نطلب خير قريبنا، وأيضاً نطلب إرشاده.
وليس صموئيل سوى رمز باهت للرب يسوع الذي يشفع فينا، بينما يشتكي إبليس علينا (رو8: 34؛ رؤ12: 10). مَنْ الذي سنقتدي به: الشفيع أم المشتكي؟
واليوم كما في زمان صموئيل، يحتاج شعب الرب إلى شفيع. إن الذين يكوّنون الكنيسة، من أفراد شباب ومُسنين وأزواج وعائلات وأطفال، جميعهم يحتاجون إلى اهتمامنا في الصلاة. ليس الأمر فقط أن نعرض الاحتياجات الجارية، بل أيضاً الصلاة من أجل تقدمهم الروحي ولكي يُحفظوا إذا زلوا. يمكن أن يكون ذلك بمثابة معركة روحية حقيقية عندما نتحقق أن الصلاة هى السلاح الوحيد لإسقاط الأسوار!
عندما سنكون جميعنا في بيت الآب، ربما سنندهش أن نرى نتائج صلوات أخ معين أو أخت معينة كنا نجتمع معه أو معها عندما كنا على الأرض! ألا نريد أن نضم من الآن صلواتنا إلى صلواته أو صلواتها؟
ولتكون الشفاعة مُمكنة، يجب أن نعرف إخوتنا وأخواتنا واحتياجاتهم وتدريباتهم. ولمعرفتها يجب أن نجلس معهم، ولذلك يجب أن نحبهم..
لنتأمل في مثال صموئيل كما في مثال آخرين من رجال الله مثل موسى الذي كانت خدمته مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحياة الصلاة. وبالتأكيد مثال الرب هو فوق كل أمثلة الآخرين.
يارب أعطنا أن نحب مثلك!
وقضى صموئيل لإسرائيل كل أيام حياته (1صم7: 15)
لقد امتازت حياة صموئيل بالشفاعة. وهي خدمة يؤكد قدرها ما جاء في مزمور99: 6 « موسى وهرون بين كهنته، وصموئيل بين الذين يدعون باسمه. دعوا الرب وهو استجاب لهم ». وطالما أشار الوحي إلى قوة شفاعته قبل أن يُطرد الشعب من الأرض « ثم قال الرب لي وإن وقف موسى وصموئيل أمامي لا تكون نفسي نحو هذا الشعب. اطرحهم من أمامي فيخرجوا » (إر15: 1).
ويتحدث سفر الأعمال (3: 24) عن صموئيل بوصفه طليعة سلسلة الأنبياء في إسرائيل. ومع أنه لا توجد بين الأنبياء خلافة مرتبة كما هو الحال مع الملوك والكهنوت، فإن التاريخ لم يَخلُ من الأنبياء من زمان صموئيل فصاعداً، وحين كان شر الشعب يزداد، فإن الله كان يجد لنفسه دائماً رجل الله الذي عن طريقه يخاطب الضمائر. وهذا نراه بوضوح في 2ملوك19: 2؛ 22: 12ـ14.
ففي الشاهد الأول أرسل حزقيا اثنين من قواده مع شيوخ الكهنة وكلهم لابسون مسوحاً لكي يحدثوا إشعياء بكلمات الأشوري التجديفية. ونلاحظ جيداً هذا الأمر: فمع أن شيوخ الكهنة كانوا يكوّنون الجانب الأكبر من الوفد، إلا أنهم لم يتجهوا إلى رئيس كهنة الله في ذلك اليوم، بل إلى واحد بعيد كل البُعد عن نظامهم، وهو إشعياء ابن آموص. أما في الشاهد الثاني فإن الملك يوشيا وقد انزعج بسبب محتويات سفر الشريعة الذي وجدوه في الهيكل، بعث برئيس الكهنة نفسه ليسأل امرأة هي خلدة النبية.
كل هذا يُرينا أن الرسميات ليس لها قيمة عند الله، بل التقوى. وليس من خلال الرؤساء الدينيين يُسرّ الله أن يكلم قلوب وضمائر الشعب، بل بواسطة أُناس يشعرون بالضعف في أنفسهم ويسلكون قدامه ويرتعدون من كلامه ويحاولون معرفة مشيئته. وهو ما كانه حقاً وصدقاً صموئيل النبي
فانظر إلينا كُلنا وامنحنا نعمةَ السهرْ
حتى نكونَ أُمنا في كلِ مدةِ السفرْ
وكبر صموئيل وكان الرب معه ...
وعرف جميع اسرائيل من دان إلى بئر سبع أنه قد اؤتمن صموئيل نبياً للرب
(1صم3: 21)
كان صموئيل النبي رجل إيمان مكرس للرب من بطن أمه. وأعداد كثيرة من الكتاب المقدس تقدمه لنا كرجل الصلاة. كان على صلة بالله في كل ظرف من ظروف حياته مطبقاً مسبقاً بصورة عملية، التحريض الذي قُدم بعد ذلك للمؤمنين: « مُصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت »
نراه دائماً يصلي لأجل الآخرين لصالح الشعب ولصالح الله. ولم يكن يصلي فقط بل يصرخ إلى الله كما لكي يدعوه إلى النجدة أمام الحاجة الشديدة والمُلحّة (1صم15: 11).
نراه أحياناً يطلب خلاصاً (1صم7: 8،9)، وأحياناً يطلب درساً لإخوته (1صم12: 17)، وأحياناً يطلب الغفران (1صم12: 19).
وعندما حزن مما قاله الشعب، هل غضب؟ هل طلب تأديب الرب؟ هل اشتكى؟ كلا! ولكنه صلى وسلم لمن يقضي بعدل (1بط2: 23).
وبعد ذلك عندما شعر الشعب بالتعاسة لعدم سماعه نصائحه، لم يشمت بل استمر يصلي لأجله حتى أنه اعتبر أن عدم الصلاة لأجل الشعب هو خطية (1صم12: 23).
وعندما ندم الله على جعله شاول ملكاً، لم يُجب: لقد قلت عن حق إنه ما كان يجب أن يكون ملك في اسرائيل! كلا! ولكنه صرخ إلى الرب، كم من الوقت؟ هل بضعة دقائق قبل أن ينام؟ كلا، لكنه صلى كل الليل!
وكان الشعب يعرف فضلاً عن ذلك أنه يستطيع أن يعتمد على صلوات صموئيل الذي عُرِف بأنه رجل يصلي (1صم12: 19).
إن الله يقدِّر مثل هؤلاء الشفعاء. وبعد ذلك الوقت بخمسة قرون، يشير الله إلى صموئيل كالذي يمكنه أن يقف أمامه دفاعاً عن مصالح الشعب (إر15: 1). واليوم أيضاً يطلب الله « رجلاً يبني جداراً ويقف في الثغر » (حز22: 30)!
أيها المؤمنون الأحباء لنُجب جميعاً: ها نحن!
نفسي اسهري وواظبي دوماً على الصلاة
فهى سلاح حربنا وقوة الحياة
تفتح أبواب السما ونرتقي بها
لعرش نعمة العلي بسر فعلها
صموئيل: رجل الصلاة
وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب، فأكُف عن الصلاة من أجلكم، بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم
(1صم12: 23)
في نهاية عصر القضاة كان آخرهم رجل صلاة قدير، هو نفسه ابن صلاة كثيرة. ولقد حمل صموئيل طابع أصله كل حياته، كان هو أحد القلائل الذين عاشوا في روح العبارة « صلوا بلا انقطاع ». كان في وسط شعب أصبح غريباً عن الصلاة ـ ويا لها من حالة مُحزنة! لكن صموئيل وحده كان يحمل الحِمل كله، كما كان موسى وهارون في أيامهما؛ لذا فهو يُسمى معهم في مزمور99: 6 « موسى وهارون بين كهنته، وصموئيل بين الذين يدعون باسمه ». كان هؤلاء هم الشفعاء العظام الذين تشفعوا لعناد إسرائيل.
استمع لكلمات صموئيل بعد أن رفضوه هو كقاضي، ورفضوا الله كملك عليهم، ووضعوا أنفسهم تحت قيادة شاول. لقد قال لهم: « وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب، فأكف عن الصلاة من أجلكم، بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم » (1صم12: 23). ونرى من هذه الكلمات أن خدمة صموئيل تكونت من جزأين: أولاً الصلاة، ثم التعليم. فالصلاة هي الأساس، ثم يأتي البناء فوقها.
هناك طريقتان بهما نمارس - آذار - الصلاة:
الصلاة لأجل،
والصلاة مع.
وقد استطاع صموئيل فقط أن يصلي لأجل الشعب، لأن روح الصلاة لم تكن فيهم. لقد قالوا له: « صلِّ عن عبيدك » (1صم12: 19)، في حين أنه كان يجدر بهم أن يقولوا له: « صلِّ مع عبيدك ». كان هذا شيئاً مُحزناً للغاية، لكنه لم يمكن ـ على أية حال ـ أن يعطل الصلاة.
دعنا نبحث عن، ونتوق إلى، الصلاة الجماعية، متذكرين الوعد الخاص « إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قِبَل أبي الذي في السماوات » (مت18: 19). لكن إذا كانت الصلاة الجماعية تُهمل بسبب حالة شعب الله، دعنا ـ حتى ولو كنا وحدنا ـ نصلي لهم بأكثر إخلاص. دعنا نتصرف حسب كلمة صموئيل « لأنه لا يترك الرب شعبه من أجل اسمه العظيم، لأنه قد شاء الرب أن يجعلكم له شعبا » (1صم12: 22). كان إيمان صموئيل المُصلي هو اليد الرافعة التي بها رفع ما كان على وشك الانهيار والتحطم « طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها » (يع5: 16).
صموئيل: من سنة إلى سنة
كان هذا الرجل يصعد من مدينته من سنة إلى سنة ليسجد ويذبح لرب الجنود في شيلوه
(1صم1: 3)
في تاريخ صموئيل نجد ثلاث مناسبات ذُكر فيها التعبير « من سنة إلى سنة ». الأولى بالارتباط مع السجود (1صم1: 3) والثانية بالارتباط بالنمو (1صم2: 19) والثالثة بالارتباط بالخدمة (1صم7: 15-17).
(1) من سنة إلى سنة:
يصعد ليسجد. فرغم الشرور التي انتشرت، ليس في الشعب فقط بل حتى في الكهنوت، كان ألقانه يصعد من مدينته من سنة إلى سنة ليسجد ويذبح لرب الجنود في شيلوه حيث كان هناك التابوت، الذي يمثّل مجد حضور يهوه في وسطهم، وهذا يمثّل الأمانة الفردية والبيتية في زمن الخراب. والأمانة تظهر في التقدير لبيت الله ولأهمية السجود.
(2) من سنة إلى سنة:
جُبة جديدة. كانت حنة تعمل جُبة صغيرة لصموئيل وتُصعدها من سنة إلى سنة. وكانت تتوقع نمواً طبيعياً تأخذه في الاعتبار وهى تعمل له هذه الجُبة. وكم كان فرحها عظيماً وهى تراه ينمو في القامة والحكمة والنعمة من سنة إلى سنة. « أما الصبي صموئيل فتزايد نمواً وصلاحاً لدى الرب والناس أيضا » (1صم2: 26).
كان يكبر في علاقته بالله وله شهادة حسنة من الناس « وكبر صموئيل ... » (1صم3: 19). والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نحن ننمو في علاقتنا بالرب، في المعرفة والشركة والتكريس والخدمة من سنة إلى سنة.
(3) من سنة إلى سنة: دورة مجيدة. كان صموئيل يذهب من سنة إلى سنة ويدور في بيت إيل والجلجال والمصفاة ويقضي لإسرائيل في جميع هذه المواضع. كان يبدأ من « بيت إيل » التي تتكلم عن محضر الله والشركة معه. ومن الأقداس تبدأ الخدمة الناجحة. وكل خادم حقيقي يقدِّر قداسة بيت الله وخطورة التعامل مع إله قدوس. وفي « الجلجال » ختن يشوع الشعب.
وهو يتكلم روحياً عن الحكم على الذات وإدانة الجسد. أما « المصفاة » فهى تعني المراقبة (تك31: 49) وكل خادم يجب أن يعرف هذه الحقيقة أن الله يراقب الدوافع والتحركات والتصرفات والتيهان وكل شيء، إنه يرى في الخفاء ويجازي علانية. وأخيراً كان رجوع صموئيل إلى « الرامه » التي تعني المرتفعة، حيث الخلوات في المرتفعات، في جو السماويات، بعيداً عن العالم بمشغولياته.
يا ليت هذه الدروس تتعمق وتتأصل في كياننا من سنة إلى سنة حتى تنتهي الغربة بمجيء الحبيب
_________________