في موعظة ألقاها كليم الله موسى قال: "إن طلبتَ من هناك الرب إلهك تجده، إذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك. عندما ضُيِّقَ عليك، وأصابتك كل هذه الأمور في آخر الأيام، ترجع إلى الرب إلهك وتسمع لقوله، لأن الرب إلهك إله رحيم، لا يتركك ولا يهلكك، ولا ينسى عهد آبائك الذي أقسم لهم عليه" (التثنية 29:4-31).
وذكر د. إبراهيم دشموخ في كتابه: عندما يقرأ إنسان - مكتف بحياته، راض عنها، غير ذاكر لآثامه - مثل هذه الكلمات مئات المرات، فلن تعني الكثير بالنسبة له. أما أنا، وبسبب قلقي على مصيري الأبدي، فقد بعَثَت هذه الكلمات فيَّ أملاً جديداً، وقادتني إلى دراسة أعمق للكتاب المقدس. وبدأت الدراسة، لا بالنقد البارد، ولا كقراءة اطلاع لمجرد المعرفة، بل قراءة العطشان إلى مغفرة الله. وقد كلمتني آيات أخرى في الإنجيل المقدس [الكتاب المقدس] بصوت واضح وعال، مثل "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك" (لوقا 10:19). وقول المسيح: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يوحنا 13:4-14).
وقول المسيح: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليَخْلُص به العالم" (يوحنا 16:3-17).
"تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى 28:11).
وكمسلم كنت أعلم أن المسيحيين منحرفون عن الصواب، لأنهم يؤمنون أن المسيح هو ابن الله، وأنه صُلب فعلاً، فليس المسيح أكثر ولا أقل من نبي مرسل من عند الله. وكانت فكرة أن الله يترك نبياً صالحاً كالمسيح ليد أعدائه ليصلبوه فكرة غير معقولة ومرفوضة! ولكن البراهين الكتابية على ما قاله المسيحيون جعلتني أعيد حساباتي. فلماذا يخترع المسيحيون مثل هذه الأفكار غير المعقولة ويتعلّقون بها؟ وهل المسيحيون متخلّفون عقلياً، أو هل هم مصابون بالكبرياء الروحية حتى يعتنقوا مثل هذه المعتقدات غير المعقولة؟ وقلت لنفسي: من الصواب أن يستمع الإنسان إلى آرائهم ويقرأ كتبهم، ويجعل كتابهم المقدس يدافع عن نفسه بما يقوله، بدلاً من أن نقول له ما يجب أن يعلنه وما لا يجب. إن الكتاب المقدس يقول إن "الله محبة" (1يوحنا 9:4و16). فإن كان الله محبة كما يعلن الإنجيل، فلماذا لا يظهر شخصياً في عالم يحتاج إلى محبته احتياجاً شديداً؟ لقد ارتفعت محبة الله إلى أسمى مستوى عندما نزلت إلى أعمق وأحطّ مستوى، لتعلن رسالة فرح للنفوس الخاطئة البعيدة عن الله! إن كلمة "إنجيل" تعني أخباراً مفرحة، والخبر المفرح هو أن الله يحب البشر. ويقول الإنجيل المقدس في ذلك: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة. والحياة كانت نور الناس. والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه.. والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا، ورأينا مجده، مجداً كما لوحيد من الآب، مملوءاً نعمة وحقاً" (يوحنا 1:1-5 و14).
وكلمات الإنجيل هذه تقول: إن المسيح، كلمة الله الأزلي، صار إنساناً. وككلمة الله يمكن أن نسميه "ابن الله". "كلمة الله" صار "يسوع" المولود من العذراء القديسة مريم بقوة الروح القدس. لقد كان وجود المسيح "كلمة الله وابنه" مستقلاً عن العذراء مريم. فإن كلمة الله، ابن الله، كان موجوداً من قبل وجود العذراء مريم. لكنه من رحمها أخذ جسداً. وهكذا وبطريقة لم يسبقه إليها أحد، ولم يلحقه أحد، أصبح ابن الله ابن مريم. والمسيحيون، شأنهم شأن المسلمين، يعتقدون أن بنويّة المسيح لله بنوية روحية. وأي خاطر عن صلة جنسية في هذه البنوية كفر مبين. وأي مسيحي لا يجد أي مشكلة في أن يتلو سورة الإخلاص، لأن شأنه شأن غيره من المسيحيين، يؤمن أن الله واحد، وأنه لم يتزوّج، وأن كون المسيح ابن لله لا يعني عدم وحدانية الله. بالعكس، فإنه بحسب الكتاب المقدس تكون بنويّة المسيح لله برهاناً على وحدانية الله.
ولما كان الله محبة، ومحبة مقدسة، فإن صليب المسيح يصبح أمراً معقولاً. ولنتأمل في الآيات الثلاث التالية:
"بهذا أُظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذا هي المحبة، ليس أننا نحن أحببنا الله، بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1يوحنا 9:4-10).
"الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رومية 8:5).
والإنسان الطبيعي، الذي يفكر بالفطرة، يحتقر الخطاة ويكرههم. ولكننا جميعاً نستثني أنفسنا من هذه الكراهية! فعندما أخطئ لا أحتقر نفسي. ولكني أحاول أن أحبها وأغفر لها. وهكذا الأمهات، فالأم تحب ابنها مهما أخطأ ومهما انحرف، وهي تأمل دوماً في إصلاح أمره. إنها تكره أفعاله الشنيعة، لكنها لا تكرهه هو!
وحب الله لنا أعظم من ذلك، سبحانه! لذلك يقول نبي الله داود: "إن أبي وأمي تركاني، والرب يضمني".
صحيح أنه لا تزر وازرة وزر أخرى. فالقرآن والإنجيل متفقان معاً على هذا، بل إن الكتاب المقدس يقول إن الإنسان المخطئ لا يستطيع أن يتحمّل أخطاء نفسه. أما الله فيستطيع. ويقول الكتاب المقدس أنه بواسطة صليب المسيح فعل الله هذا الأمر نفسه. وصار صليب المسيح وسيلة الله لمغفرة خطايانا، وتغيير قلوبنا، ومنحنا حياة جديدة. ويوضح صليب المسيح لنا شناعة خطيتنا، ووزرها، وثقلها الذي ينقض ظهورنا، كما يبيّن لنا نتائجها الجهنمية، وتكلفتها العظيمة علينا وعلى الله نفسه. في صليب المسيح نجد قداسة الله ومحبته يتعانقان معاً. فلم يقف الله متفرّجاً على المأساة التي وقع فيها البشر جميعاً وماتوا، لكن حبه جعله يشترك في هذه المأساة فيدفع الثمن، لذلك قال المسيح إنه جاء فدية عن كثيرين. "لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مرقس 45:10). ويقول رسول المسيحية بولس: "الكل من الله الذي صالحنا بنفسه بيسوع المسيح"
(2كورنثوس 18:5).
وتبع صلب المسيح ودفنه عمل عظيم من أعمال الله، ففي اليوم الثالث قام المسيح من الأموات. وبالقيامة أعلن الله أن الصليب هو طريقه لخلاص البشر. ويكتشف كل قارئ للإنجيل المقدس أن الصليب والقيامة هما قلب الخبر المفرح الذي أعلنه الله للعالم، وبدونهما لا يكون الإنجيل خبراً مفرحاً. إما أن يقبل القارئ هذا الخبر أو يرفضه، فهذا شأن القارئ وحده. يطلب اليهود آيات، ويبحث اليونانيون عن الحكمة، ولكننا نحن نبشّر بالمسيح مصلوباً، مما يشكّل عائقاً عند اليهود بأن إلهنا ضعيف، وعائقاً عند الأمم بأن إيماننا غير معقول! وأما عند "المدعوّين" سواءً من اليهود أو اليونانيين فإن المسيح هو قدرة الله وكلمة الله "لأن جهالة الله أحكم من البشر، وضعف الله أقوى من البشر" (1كورنثوس 25:1).