مارو الحزينه عضو مميز
المساهمات : 2146 تاريخ التسجيل : 26/01/2010
| موضوع: الضمير أمام الضباب أحيانا الإثنين فبراير 01, 2010 6:28 am | |
| هناك أمور كثيرة تكون واضحة جدا أمام الضمير, لايوجد في الحكم عليها أية صعوبة علي الإطلاق.. بينما أمور أخري يحيط بها ضباب كثيف, يقف أمامها حائرا جدا لا يدري بماذا يحكم, ولا يري أين الخير وأين الحق؟ وأين النافع وأين الضار؟! وفي هذه الحالة, ربما لا يكتفي الضمير بذاته, فيستعين بضمير أحد المرشدين, وقد يقف هذا المرشد أيضا في حيرة, لأن الخير ليس واضحا أمامه, فيقول نصلي وننتظر, لعل الله يكشف الأمر لنا... لذلك يخيل الي أن الطريق الروحي يحتاج أحيانا الي عسكري مرور يقف فيه وبيده علمان, أحدهما أخضر والآخر أحمر, فيسمح لهذا الأمر أن يمر, ولا يسمح لذاك بالمرور, واضعا حدودا بين الحلال والحرام, وبين الجائز وغير الجائز.. نقول هذا, لأن أسئلة عديدة تدور حول بعض أمور منها: ما هي الحدود الروحية بين الصمت والكلام؟ متي ينبغي للإنسان أن يصمت, ويكون في صمته حكمة, ويقول أنا مالي, خليني في حالي؟! ومتي يجب عليه أن يتكلم, لأننا في بعض الأحيان ندان علي صمتنا؟ متي يري الخطأ في ضميره, فيوبخ وينتهر؟ ومتي يقول لا جدوي من التوبيخ غير فقدان سلامنا مع الآخرين؟! أيضا متي يسمح بالمزاح مع الآخرين؟ ومتي لا يجوز ذلك؟ وما هو الحد الفاصل بين المزاح المقبول, والمزاح غير المقبول؟ وأيهما أفيد الروح الجادة أم المرحة؟ وما حدود هذه وتلك؟ كذلك ما حدود الشكوي؟ وما حدود العتاب؟ ومتي يجوز للانسان أن يشكو ويطالب بحقه؟ ومتي يجعل الشكوي لله وحده, ومتي يتنازل عن حقه ولا يطالب به, ولا يدخل في نزاع مع آخرين؟ ومتي يري العتاب مفيدا, يصفي به حساباته مع المسيئين؟ ومتي يبعد عن العتاب لئلا تسوء الأمور بالأكثر, حسبما قال الشاعر ودع العتاب فرب... كان أوله العتابا وما الحكم علي المنتحر؟ هل نعتبره قاتل نفس, لأنه لا يملك نفسه ليقتلها؟ أم نقول عنه انه لم يكن يملك قواه العقلية في أثناء انتحاره؟ والي أي حد؟.. وبنفس المنطق ما مدي الأحكام علي الأطفال إن أخطأوا: هل هم لا يدرون ماذا يفعلون؟ أم نحاسبهم علي تصرفاتهم؟ وفي أي مرحلة من العمر؟ وإن حاسبناهم, هل نحاسب معهم البيئة التي عاشوا فيها, ونوعية التربية والتوجيه؟.. هناك أسئلة أخري قد تقف أمام الضمير: ما هي الحدود الفاصلة بين الراحة والكسل, وبين الحزم والقسوة, وبين الحب والشهوة, وبين الحرفية والتدقيق, وبين الحرية والتسيب, وبين النقد والتجريح, وبين الحب والتدليل, وبين التواضع وصغر النفس؟؟ كلها أسئلة تحتاج الي اجابات فاصلة, والي مزيد من الشرح والتوضيح, وسنحاول أن نتناولها أو بعضها بشيء من التفاصيل. إن مسائل الصمت والكلام والتوبيخ والعتاب والشكوي وما أشبه, كلها تحتاج الي حكمة من الضمير في حكمه, فليس كل صمت أو كلام يكون فضيلة أو خيرا في ذاته, إنما يتكلم الإنسان حين يجب عليه ذلك, ويصمت حين يحسن الصمت.. أما عن المزاح, فيشترط فيه أن يكون بريئا, ولا يتدني ولا يهبط في أخلاقياته, وعموما الشخص المرح يكون محبوبا من الناس لأنه يشيع جوا من البشاشة والفرح, وأنا باستمرار أقول اضحكوا مع الناس, ولا تضحكوا علي الناس, ولا مانع من المزاح بشرط أن المازح لا يتهكم في مزاحه علي غيره, أو يجعله مجالا للسخرية والتندر, بل في كل فكاهات, عليه أن يحتفظ باحترامه للغير.. أما مطالبة الإنسان بحقه ـ اذا لحقه ظلم ـ فهذا من حقه تماما, ولا يمنعه عنه دين ولا قانون ولا عرف, ولكن إن كان من الزاهدين وتنازل عن حقه, فهذه درجة سامية, ليست في مستوي الجميع, ولايمكن أن يطالب الكل به, والدفاع عن الحق لازم إن كان الأمر يخص الجماعة وليس مجرد فرد, فالذي يمثل هذه الجماعة لا يحق له أن يتنازل عن حقوقها, أما من جهة حقوقه هو, فإنه حر أن يطالب بها أو يتنازل عنها. ونفس الكلام ينطبق أيضا علي الشكوي, فمن حق الإنسان أن يشكو لوالديه أو مرشديه أو رؤسائه, وحتي الي المحاكم أيضا, ولكني هنا أذكر قول أحد الرهبان في تأملاته الروحية حينما أشكو يارب, لمن أشكو إلا لله؟ وحينما أشكو, من أشكو إلا نفسي, انها درجة روحية عالية, ولا يستطيع الكل أن يصلوا اليها.. أما من جهة الفرق بين الحب والشهوة, فقد سئلت هذا السؤال منذ أكثر من35 عاما, فكان جوابي الشهوة تريد دائما أن تأخذ أما الحب فهو يريد دائما أن يعطي وأن يبذل.. فإن أحب شاب فتاة وأصر علي أن يشغلها, فضيع بذلك وقتها, وربما ضيع دراستها أيضا, وبكثرة اللقاءات ضيع سمعتها, وربما ضيع أيضا عفتها, أتري نسمي هذا حبا أم نسميه شهوة, لأن الذي يحب فتاة حبا حقيقيا, إنما يحرص عليها حرصه علي أخته.. ما الفرق بين النقد والتجريح؟ ليس كل تجريح يسمي نقدا, فالنقد يقتصر علي الناحية الموضوعية, أما التجريح فيتناول اهانة الشخصية, والفارق الآخر أن النقد هو لون من التحليل, يذكر النقاط التي تمدح, ومن جهة النقاط التي يعترض عليها فإنه يحللها ويشرح اخطاءها دون أن يمس صاحبها بسوء. أما عن الفروق بين الحزم والقسوة, وبين الحب والتدليل, فالحزم هو الوضع المتوسط بين القسوة والتدليل, فهو لا يقسو بحيث ينفر منه الصغير, ولا يدلل الصغير بحيث يتلف بدون تربية, إنما حازم في رفق, ومحب في حكمة. ولعل هذا يذكرني بالمثل الفرعوني القائل لا تكن يابسا فتكسر, ولا لينا فتعصر, انها نفس الوسطية التي نطلبها أيضا ما بين الحرفية والتدقيق, بحيث يدقق الانسان بالروح التي تتطلبها القيم والأوامر دون الخضوع لحرفيتها بدون حكمة وتصرف
| |
|