كان شاباً جامعياً من اسرة متدنية ، وكانت محبة الله تملأ قلبه وكان عمله شاقاً جداً لكن كان يدر عليه مالاً كثيراً ، ولكثرة إنشغاله فى عمله تأخر فى الزواج حتى سن الخامسة والثلاثين ولقد اختار فى زواجه ان يرتبط بامرأة جميله ومن اسرة متواضعة اجتماعياً ، وكانت الفتاة تصغره سناً ، اذ كان عمرها وقت الزواج ثمانية عشر عاماً وفى بدء دراستها الجامعية .
اراد الزوج ان يرضى زوجته الجميلة ويستجيب لكل طلباتها ، فكانت تلبس احدث الملابس وأغلاها وكانت كثيراً ما تصنع الولائم فى بيتها للأصدقاء والاقارب وقليلاً ما يحضرها الزوج المنهمك فى عمله ، وقد أصرت ان تكمل دراستها الجامعية وخوفاً عليها من مشاكل المواصلات العامة طلب زوجها من أصدقائه ان يقوموا بتوصيلها الى الجامعة. وكانت تعتمد على الخدم فى تدبير شئون بيتها ، كما اصرت الا تنجب اطفالاً الا بعد ان تنتهى من دراستها الجامعية ، وكان الزوج وديعاً فى كل تعاملاته معها وفى بساطة متناهية.
حضر الزوج الى الكنيسة لمقابلتى لأول مرة ( إذ كان يصلى فى كنيسة أخرى ) ، واخبرنى أن زوجته تركت البيت بلا مقدمات وبلا سبب فلم تحدث مشاحنات او مضايقات منه لها، ولم تحدث مشاجرة بينهما على الاطلاق ، بل على العكس كانت تقيم مأدبة فى الليلة السابقة لتركها المنزل بمناسبة عيد ميلاد احد اصدقائه المفضلين ، وقال الزوج أنه ذهب الى منزل اسرتها ، ولم تجدى محاولاته ومحاولات والديها لإغرائها بالعودة الى منزل الزوجية ، وهولا يعمل اى سبب لذلك ، علماً بأن جميع مطالبها مستجابة ، ولا يمكن ان تعيش حياة مرفهة هكذا فى بيت والديها ، ولقد تركها اسبوعاً لعلها ترجع عن رايها ولكنها رفضت بإصرار.
وعندما قمت بزيارة الزوجة لمحاولة معرفة سبب الانفصال بعد حوالى خمس سنوات من الزواج بلا مشاكل أو مضايقات من الزوج، سمعتها تخبرنا بإنفعال : "احنا ما ننفعش لبعض، وهناك عدم توافق فى كل شئ بيننا ، يكفى فارق السن، وانا لن اضيع شبابى معه" . حاولت بكل الطرق دينياً واخلاقياً ان أوضح لها مصائب الطلاق، وانها وافقت على زواجها منه بإرادتها ،وكانت تقول لى انها كانت صغيرة ولا تفهم شئ فى الدينا .
قامت الزوجة بإجراءات الطلاق المدنى ، ولم أتمكن من معرفة سبب المشكلة فى كل زياراتى لها ، واخيراً ذهبت لزيارة اسرتها فجأة ، فوجدت شاباً وسيماً جالساً هناك وقالت لى أنه احد اصدقاء الاسرة المقربين ، ومن حديثى معه علمت أنه بعيد كل البعد عن الكنيسة . وعند مقابلتى للزوج سألته عن ذلك الصديق ، علمت أنه صديقه وهو اللي كان يقوم بتوصيل زوجته الى الجامعة يومياً وذلك بمعرفة الزوج، وقال لى الزوج " لعله يكون هناك من أجل محاولة إرجاع زوجتى إلى " وكنت أشعر فى داخلى ان ذلك الصديق له دور فعال فى الانفصال.
بعد بضعة اسابيع جاءنى الزوج يبكى بإنفعال ، وقال لى أن زوجته قد سافرت مع صديقه الى الخارج وتركت بيت والديها وانها مصممة على الزواج من ذلك الانسان ، وكان يقول لى أنه طعن مرتين ، بخيانة زوجته وخيانة اعز اصدقائه. وبعد ان هدأ ، بدأت اوضح له كل الاخطاء التى ارتكبها وادت الى تلك المصيبة واهمها:
1- عندما تقدم لاختيار شريكة حياته لم يبحث عن اى فضيله مسيحية فى الفتاة التى يرغب الارتباط بها ، وبدلاً من ذلك كان يبحث عن فتاة جميلة ولا شئ غير ذلك ، لكى يتظاهر أمام الاصدقاء بتلك الزوجة .
2- كان فارق السن كبيراً جداً وكذلك المستوى الاجتماعى .
3- كان يسهر فى عمله الى ساعات متأخره من الليل وزوجته بصحبة الاصدقاء.
4- كثرة الاصدقاء المترددين على البيت وضحالة روحانيتهم قد أدت الى الخيانة.
5- السماح لأصدقاء الزوج صغار السن بتوصيل الزوجة الى الجامعة يومياً ، فيه عدم حكمة وعدم تدقيق فى وهو تصرف غريب.
6- عدم وجود اى ارتباط روحى بينه وبين زوجته،وإختفاء وسائط النعمة من حياتهم لاهتمامه الزائد بالكسب، واهمال مطالب البيت والزوجة ورعايتهما، فالمولع بالكسب يكد بيته ( أم 15 : 27 )
كان درساً قاسياً ، لم يتحمله الزوج ، فقرر ان يترك كل شئ ... الاقارب والاصدقاء والعمل ، وهاجر الى الخارج ليعيش بعيداً عن نظرات الناس ، وبدأت حياته تتغير ، وترك الندم والبكاء على الماضى ، واندمج فى الكنيسة بخدماتها، ولكن كانت حالة البؤس واضحة على وجهه وملامحه ولا يعلم احد اسبابها.
وبعد خمس سنوات من ضبط النفس والتحمل والصلوات الحالة ، سمح الله له بأن يتعرف على فتاة مسيحية خادمة أمينة فى خدمتها ، وعلمت كل ما حدث له ، ووافقت على الارتباط به ، حيث أن الكنيسة كانت قد أعطته حلاً بالزواج ، وهى الان تعيش معه حياة هادئه انسته كل مرارة الماضى ورزق بطفلين منها ، وعندما قابلته بعد فترة طويلة قال لى فى رزانه : البساطة بلا حكمة قد تحكم حياة الانسان ، وقد تفقده ابديته . فقلت له : لهذا قال الرب: " كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام" ( مت 10 : 16 ).
وسليمان الحكيم يوصينا بالحكمة فى كل امورنا ويقول " " طوبى للانسان الذى يجد الحكمة وللرجل الذى ينال الفهم" ( أم 3 : 13 )