كان إيليا من الشخصيات العظيمة التى كثرت حولها الآراء والتقاليد ، إلى
درجة أن الأساطير فى التلمود صورته بصورة فينحاس بن هرون ، وقد عاد إلى
الحياة مرة أخرى لينتقم لمجد الرب الذى حاولت إيزابل وآخاب أن يضيعاه من
إسرائيل !! .. أو هو الملاك أو رسول الرب الذى صعد إلى السماء ، بعد أن
قدم جدعون تقدمته أمامه ، فمسها بالعكاز وصعد فى لهيبها إلى السماء ، ...
وهو الرجل الذى قلده الكثيرون من اليهود زعامة الأنبياء ، والذى رن اسمه
طيلة تسعة قرون فى صدور الإسرائيلين ، والذى كانوا يضعون له كرسياً شاغراً
عند ختان كل صبى فى إسرائيل ، وعند الفصح، آملين أن يظهر بغتة فى مثل هذه
المناسبات ، .... والكلمة " إيليا " تعنى " إلهى يهوه " أو : " إلهى إله
العهد " - أما " تشبه " التى ولد فيها فلا يعرف موقعها على وجه التحديد ،
فالبعض يقول إنها بلدة فى الجليل تقع فى سبط نفتالى ، ولذا يعتقدون أن
إيليا كان من هذا السبط ، وأنه هو أو ربما أبويه ، قد هرب إلى جلعاد من
وجه الاضطهاد والوثنية أيام عمرى أبى آخاب ، واستوطن هناك ، ولذا دعى من
مستوطنى جلعاد ، بينما يعتقد آخرون أن تشبه هذه بلد فى جلعاد الواقعة شرقى
الأردن تجاه السامرة ، وأن إيليا ولد فيها ، ووجد من رده إلى الأصل القينى
كيوناداب بن ركاب فى أيام ياهو !! . ومهما يختلف الناس فى أصله أو نسبه ،
فإنه من الواضح أنه كان رجلاً جبلياً إذا صح التعبير ، يألف حياة الجبال .
وقد جاء المعمدان بعده ، ليعيش فى البرية إلى يوم ظهوره لإسرائيل ، وهذا
النوع من الناس يتسم فى العادة بالخشونة والصلابة والشجاعة وقوة الاحتمال
، ... ومنهم الجاديون الذين فى أيام داود ، وصفوا بالقول : " جبابرة البأس
رجال جيش للحرب صافوا أتراس ورماح وجوههم كوجوه الأسود وهم كالظبى على
الجبال فى السرعة . هؤلاء هم الذين عبروا الأردن فى الشهر الأول وهو ممتلئ
إلى جميع شطوطه وهزموا كل أهل الأودية شرقاً وغرباً " .. " 1 أي 12 : 8 -
15 " و الكتاب يصف إيليا : " أشعر متنطق بمنطقة من جلد على حقويه " . " 2
مل 1 : 8 ". والتقليد يقول : " إنه كان قصير القامة نذيراً ، أسود الشعر
يتدلى شعره على كتفيه فى شبه عرف الأسد " ... ومع أننا لا نعرف كم استمرت
فترة نبوته لإسرائيل ، غير أن البعض يرجح أنها كانت عشرين عاماً ، وأنه
دعى للنبوة ومواجهة آخاب فى السنة الخامسة من كلمة ، أو حوالى عام 920 ق.
م. وأنه التقى بآخاب بعد مصرع نابوت عام 906 ق.م ،وأنه صعد إلى السماء عام
900 ق. م ..
إيليا وظهوره
ظهر إيليا فجأة كالشهاب اللامع فى الليل البهيم ... وأغلب الظن أنه
كالمعمدان ، عاش السنوات السابقة لظهوره فى البرية ، وبين الجبال ، يتأمل
ماضى أمته العظيم ، وكيف تحول كل شئ خراباً إثر مجئ إيزابل زوجة لأخاب
الملك ، وكانت إيزابل بنت اثبعل ملك الصيدونين ، وكان أبوها كاهنا للبعل -
كما يقول يوسيفوس - وقدوضعت خطتها من اللحظة الأولى لمجيئها إلى إسرائيل
أن تبيد اسم اللّه من كل مكان ، وأن تحل محله اسم البعل وعبادته، وهوت
ابنة الشيطان على كل مقدس فى إسرائيل ، هدمت مذابح اللّه ، وقتلت الأنبياء
، وأجبرت الناس على الانحناء للبعل وعشتاروث ، وأحلت محل أنبياء اللّه
أربعمائه وخمسين من أنبياء البعل ، وأربعمائه من أنبياء السوارى ، وكان
البعل أبا الآلهة عند الفنيقيين ومصدر القوة والسيطرة والبهجة ، والسوارى
أو عشتاروث آلهة الخصب والشباب والجمال ، ولم يستطيع إيليا وهو ينظر مأساة
أمته ، إلا أن يتحول ينبوعا من الحزن العميق والغضب الهائل ، والمقاومة
الجبارة ، ... وهل يمكن أن يكون غير ذلك ، وهو الإنسان الذى كانت عبارته
المفضلة:"حى هو رب الجنود الذى أنا واقف أمامه " " 1 مل 18 : 15
وقد شاء اللّه أن تأتى مقاومة إيليا للبعل وعشتاروث عن طريق المجاعة التى
لابد أن تحل بالشعب بمنع المطر من السماء ، ... وكانت المجاعة أنسب أسلوب
ليعرف الشعب من هو الإله الحقيقى ، ومن هى الآلهة الباطلة ، .. فإذا كان
البعل وعشتاروث يشيران إلى الخصوبة والإثمار ، ويعتبران السر وراء كل طعام
وماء ، فإن أفضل الطرق لإثبات كذب هذا الادعاء هو افلاسهما ، وعجزهما عن
أى مساعدة من هذا القبيل ، ... وفى الوقت عينه إعلان اللّه عن سخطه وغضبة
ولعنته على التحول عنه وراء آلهة غريبة كما ذكر موسى فى سفر التثنية : "
وتكون سماؤك التى فوق رأسك نحاساً والأرض التى تحتك حديداً ، ويجعل الرب
مطر أرضك غباراً وتراباً ينزل عليك من السماء حتى تهلك " " تث 28 : 23 و
24 " وكان لابد أن تطول المجاعة ، حتى يحس بها الملك وإيزابل إحساساً
عميقاً ، وأكثر من ذلك يحس بها الشعب ، حتى يدرك مدى الغضب الإلهى ،
وضرورة العودة والرجوع إلى شخص اللّه !! ..
إيليا والعناية الإلهية
وكان لابد لعناية اللّه أن تظهر وتعمل عملها مع إيليا فى قلب المجاعة ،
وكان على إيليا نفسه أن يأخذ بعض الدروس من المجاعة ولعل أول هذه الدروس
هو أن المصلح لابد أن يشارك الشعب الذي يحاول إصلاحه متاعبه وضيقاته
وآلامه ، كان لابد لإيليا نفسه أن يجوع ، ويعيش حياة الشظف مع الآخرين ،
وقد حق لأحدهم أن يتصوره يخرج ذات يوم ليشرب من نهر كريت : " وكان بعد مدة
من الزمان أن النهر يبس لأنه لم يكن مطر فى الأرض " ... " 1 مل 17 : 7 "
.. وظل ذلك اليوم ظامئا