الثقة في
الرب
ثقوا! أنا هو. لا تخافوا ( مر 6: 50 )
كم مرة نُظهر خوفنا من الظروف، ونحن نستطيع أن ندرك بقلوبنا سهولة الوقوع
في هذا الضعف، وعندما نظن أن الله تخلى عن مواعيده، أو ننسى قدرة الله على
حماية شعبه، عندما يتحول نظرنا عن الله، نفقد مركز توازننا الإلهي ونسقط.
ما أصدق هذه الأقوال، فنحن أقوياء ما دمنا مُمسكين بالله شاعرين بضعفنا،
ولا شيء يؤذينا طالما نحن سائرين في الطريق التي عيّنها لنا.
إن ظهورنا بمظهر عدم الثقة التامة في مواعيد الله، وعدم التمسك الكُلي به،
يجلب إهانة على اسمه المبارك، ومتى خسرنا لذة التمتع بكفايته لنا في كل
شئوننا، حينئذٍ تنحط كرامتنا في أعين أهل العالم. أما إذا سرنا ونحن واثقين
بأن كل ينابيعنا هي في الله، حينئذٍ نرتفع فوق العالم بجميع صوره وأشكاله،
ولا يوجد شيء يرفع شأن المؤمن أدبيًا نظير الإيمان، لأنه يقوده إلى ما فوق
أفكار العالم. ورجل الإيمان تجده ساكنًا مطمئنًا في وسط الظروف الحَرِجة
التي لا ترى فيها الطبيعة حلاً، من ثم يلوح للطبيعة البشرية أن الإيمان في
نظرها مجرد وَهمْ وتسليم أعمى، وأمور الإيمان وأعماله لا يُصادق عليها أو
يزكيها سوى العارفين الله، لأنهم هم وحدهم دون سواهم يدركون حقيقة الأساس
المتين الذي يبنون عليه تلك الأعمال.
وكثيرًا ما نعرِّض أنفسنا إلى سُخرية أهل العالم بسبب تصرفاتنا التي
يولّدها تأثير الشك وعدم الإيمان، وهكذا الحال دائمًا إذ لا يرفع شأن
الإنسان ويكرمه في سيرته سوى الإيمان. نعم، إننا في بعض الأحيان نرى
أُناسًا بحسب الطبيعة مستقيمي السيرة ومحمودي السير، ولكن هذه الأخلاق لا
يركن عليها لأن الأساس الذي تستند عليه واهن، والبناء مُهدد بالسقوط في أية
لحظة، أما الإيمان فهو وحده الذي يُكسب الإنسان كرامة صحيحة لأنه يقرن
النفس بقوة الله الحي، وهذا هو أساس الآداب الصحيحة، والأمر الغريب أن
الإنسان الذي يختاره الله بنعمته لكي يكون مرموقًا بعين رعايته متى حاد عن
طريق الإيمان ينحط أكثر من بقية الناس أدبيًا.
مَنْ ذا الذي يمس مختاري الله بأذى أو إهانة ما داموا في حراسته وحماه؟ يا
ليت القدير يَهَبنا قوة لنتمسك به وننظر إليه في كل حين، عالمين أنه سائر
معنا كل الأيام إلى انقضاء الدهر