إليك رفعت نفسي يا ساكناً في السماء . هو ذا كما أن عيون العبيد نحو سادتهم كما أن عيون الجارية نحو سيدتها . هكذا عيوننا نحو الرب إلهنا حتى يترأف علينا . ارحمنا يا رب ارحمنا لأننا كثيراً ما امتلأنا هواناً . كثيراً ما شبعت نفوسنا من هزأ المستريحين وإهانة المستكبرين
يسمى هذا المزمور وبعض مزامير أخرى بمزامير المصاعد ، حيث يرتقي الإنسان بالصلاة وأعمال البر وهي ثمرة الإيمان ، تدريجياً نحو السماء
يرفع الإنسان عقله وروحه نحو الرب طالباً أن يعينه على طريق الصعود نحوه ، والصعود نحو الله صعود شاق يحتاج المثابرة والجهاد الروحي
ويمكن أخذ العبرة من العالم . فأي صعود يكون صعباً ، فالموظف العالي المنصب قد وصله بعد الخدمة سنوات وسنوات . وصعود الجبال الشاهقة لا يخلو من المخاطر إلا لمن يثابر على ذلك ، فلا يخلو الأمر من الصعوبة والمشقة والأخطار والأهوال والسقوط والتكسر فالأمر ليس سهلاً . كذلك الصعود نحو الله طريقه مليء بالأخطار ومقاومة الشيطان وزبانيته من البشر .
فصعود الروح والعقل نحو الله مليء بالعثرات والهموم والجهاد بالصلاة والصوم وتطبيق الوصايا في الحياة العملية . ويجد المؤمن الحقيقي نفسه نور في وسط ظلام العالم ، فهو محل استهزاء الناس وسخريتهم ، وفتح عيونهم عليه ، ووضع الحفر والمطبات في طريقه .
وللشيطان تدخل رئيس في الموضوع ، فهو يصور لأحبائه من البشر ، كل الوسائل لمحاربة المؤمن في إيمانه ، وملء حياة المؤمن بالهوان ولا بد أن الكثير من المؤمنين يعرف ذلك واختبره في حياته . لكن المؤمن لا يهاب ، فقد يعثر ويقع ويتكسّر ويفتر وتسود صفحة حياته بعض النقاط السوداء ، والله يعرف ذلك . لذلك يعزي المؤمن بقوله من أين سقطت انهض فتخلص ، ويوصينا مرتل المزامير في كل لحظة ضعف ، تمتلئ بها نفوسنا هواناً أن نرفع عيوننا نحو الله كما يرفع العبد عينيه نحو سيده والجارية نحو سيدتها طالبين الرحمة والغفران ، هكذا عيون المؤمن ترتفع نحو الله في الصلاة كل حين ، ومطالعة سير حياة القديسين ، ولنا عبرة في قديسين كثيرين ، فكم عانى القديس أنطونيوس الكبير من مناظر مرعبة وأفكار مادية كثيرة حاربه الشيطان بها ، والقديس يوحنا الذهبي الفم كم عانى من مشورة الملكة أفذوكسية الجاحدة الإيمان وأخيراً نفي وتعذب ومات في منفاه . والقديس جيورجيوس كم عانى من العذاب سبعة سنين ونصف ، وهي عذابات لم تخطر ببال الشيطان نفسه ، لكنه صمد ونال إكليل جهاده من مخلصه الذي آمن به .
أيها الأبناء الأحباء :
إن امتلأت نفوسنا بأي لون من ألوان الهوان ، أي الفتور والضعف والجفاف الروحي ، لنرفع عيوننا نحو إلهنا فلديه القوة بل ملء القوة حتى يرفعنا ويضمنا إليه .
أما الكنيسة ففيها ما يشدد ضعفك ويقوي إيمانك ، ويمكنك من متابعة الطريق . ففيها صلوات الكاهن لكل فرد في رعيته ، وفيها سر الاعتراف والتوبة الذي فيه أمام الكاهن الذي هو وكيل أسرار الله تطرح كل همومك وجوارح نفسك . وفي الكنيسة سر المسحة بالزيت المقدس وفيها تلبس درع القوة لمقاومة سهام الشرير الملتهبة والمسمومة ضدك ، وفيها القربان المقدس الذي بتناولك إياه باستحقاق وشوق وتضرع يجعلك ثابتاً في الرب والرب ثابت فيك ، بل وتكون مرهباً لسلاطين الظلام .بكل هذه الوسائل ارفع عينيك نحو الرب ، وجه قلبك وحياتك نحوه ، إنه يحبك ابناً حبيباً ، وقد اشتراك بدمه الكريم على الصليب . تفرّس بأيقونات القديسين في الكنيسة ، وتأمل سير حياتهم وخذ منها معيناً لحياتك مع الله .
اطرح همومك عند قدمي المصلوب ، سيقويك . تأمل الدماء المنهمرة من جنبه الطاهر المطعون بالحربة . فالدم صالحك مع الله وستر خطاياك والماء غسيلاً لإعادة ولادتك ومنحك ينبوع الحياة باسمه .
كل لحظة ضعف تمر بك ، ارفع عينيك نحو الصليب ، وستنال منه القوة إن نظرت نحوه بإيمان وشوق ومحبة . وجه قلبك صاعداً نحوه ، ولا تكل ولا تتعب بل ترجى الحياة الفضلى لديه .
آمين