كلمة تقال فى إنجيل لوقا، و نرددها فى كل صلاة غروب،
و المتأمل فيها يجد كيف يتعامل الله بفردية مع كل واحد على حدة.
يقول إنجيل معلمنا مار لوقا البشير "و عند غروب الشمس جميع الذين كان
عندهم سقماء بأمراض مختلفة قدموهم إليه فوضع يديه على كل واحد منهم
وشفاهم" (لو 4: 40).
المتخيل للمشهد يجد أناس كثيرون واقفون أمام السيد المسيح، و كلهم مرضى و سقماء بأمراض مختلفة، و مطلوب من السيد المسيح أن يشفيهم.
هذه الأحداث تتم عند غروب الشمس - أى فى نهاية اليوم بعدما كان قد علم فى
المجمع، و شفى الرجل الذى كان به روح شيطان نجس، ثم ذهب إلى بيت سمعان
بطرس و شفى له حماته.
إنه يوم مشحون كان من المفترض أن يكون السيد المسيح قد تعب فى نهايته. و لكننا نراه ما زال يعمل و ما زال يتحنن على البشر.
مع كل هذا التعب نراه لا يشفى المرضى بالجملة بالرغم من إنه لو كان قال لهم فقط
"إذهبوا فقد شفيتم جميعاً"
لكان كل واحد منهم نال نعمة الشفاء فى التو و الحال.
و لكننا نرى مشهداً عجيباً: السيد المسيح و هو متعب و مع ذلك يصر على التعامل مع كل واحد من المرضى بفردية على حدة.
فكان يضع كلتا يديه على كل واحد على حدة و يشفيه ليشعره بفرديته فى
التعامل معه و إنه يتعامل معه بشخصه وحده و ليس من ضمن جملة الناس.
إن السيد المسيح لم يكن يضع يد واحدة فقط على المريض، بل يديه الاثنتين
مما يستلزم أن يكون المريض واقفاً وحده فقط أمام حضن السيد المسيح.
لم يكن يشفى بالاثنين معاً كأن يضع يديه على مريضين سوياً فيختصر الوقت
للنصف. بل إن السيد المسيح له المجد كان يصر على التعامل الفردى مع كل
واحد على حدة.
كم هى جميلة كلمة القديس أغسطينوس التى يقول فيها مناجياً الله: "إلهي أنت
تحتضن وجودي برعايتك. تسهر علىّ وكأنك نسيت الخليقة كلها. تهبني عطاياك
وكأني أنا وحدي موضوع حبك".
إن الله فى جميع الأزمان يتعامل بفردية مع البشر.
نراه ينقذ لوط وحده من مدينتى سدوم و عمورة، و ينقذ من قبله نوح و أسرته وحدهم من الطوفان.
إن الله لا يتعامل مع البشر بالجملة، و لا يتعامل بنفس الأسلوب مع الكل.
نرى السيد المسيح يمشى أميال عديدة حتى يصل إلى المرأة السامرية لينقذ نفس
تلك المرأة، و نراه يذهب إلى كورة الجدريين ليشفى مجنون أخرس من بين شعب
رفض السيد المسيح لأنه سمح للشياطين أن تدخل فى قطيع الخنازير و تغرقه.
نرى السيد المسيح يكلم المرأة الزانية التى أمسكت فى ذات الفعل بكل حنية
لأنه يعرف ما بداخلها، و نراه يتشدد فى الكلام مع مريض بركة بيت حسدا و
يقول له "لا تعد تخطئ لئلا يكون لك أشر".
نراه فى وسط الآلام على الصليب يكلم اللص اليمين على حدة، و يوصى يوحنا الاعتناء بالسيدة العذراء، و يوصيها بيوحنا.
و ما زال الله يتعامل بفردية معنا جميعاً.
طريقته فى التعامل معى غير معك، و يكلمنى بطريقة غير تلك التى يكلمها بك.
قد يكلمنى بأحداث تمر فى حياتى، و قد يكلمك من خلال أب إعترافك، و قد يكلم غيرك من الطبيعة.
إنه الله خالق كل البشر و الذى يتعامل بفردية مع كل البشر.
فإن كنت أباً هل تعامل أولادك كل واحد على حدة أم بالجملة؟
و إن كنت صديقاً فهل تتعامل مع كل صديق بفردية أم بالجملة؟
و إن كنت خادماً فهل تعامل مخدوميك بفردية أم بالجملة؟
عجبت لللناس حينما يأخذون موقفاً من الجميع لمجرد أن أحدهم أخطأ فى حقهم.
و عجبت لمن يتعامل مع كل الناس بنفس الطريقة دون أن يراعى ظروف و طباع و خصائص شخصية كل واحد على حدة.