يعتبر الأنبا باخوميوس
أول من سيم أسقفاً على دير في تاريخ الكنيسة القبطية، ولأنها خطوه جديدة
قامت بها الكنيسة لأول مرة لذا واجهت بعض من الانتقادات والتحفظات، ولكن
بحكمة البابا كيرلس الخامس تحملها وامتصها بكل هدوء. وكانت خطوة ناجحة،
وفتحت باباً لرسامة أساقفة لأديرة أخرى مثل دير الأنبا أنطونيوس ودير
الأنبا بولا ودير البرموس في سنة 1897م. والعجيب أنه بالرغم من أن الأنبا
باخوميوس رسم أسقفاً على دير المحرق في حياة القمص صليب وهبة رئيس الدير،
فقد استمر في مباشرة أعماله ونشاطه في الدير ومنفلوط، دون أى تغير. وبمعنى
آخر لم يستخدم وظيفته أو سلطته الجديدة في أن يُقيل القمص صليب الذي أنهكه
المرض والذي كان يطلب دائماً الاستقالة من رئاسة الدير ـ إلى أن تنيح
القمص صليب سنة 1905 م ، وبذلك كان الأنبا باخوميوس قدوة عملية أمام جميع
الرهبان. ولهذا الأب الجليل مآثر وأياد بيضاء لا تحصى ولا تعد ـ منذ أن
كان وكيلا للدير ـ أسداها للدير ورهبانه ولأهالي المناطق المجاورة، نذكر
منها .....
1ـ اهتم بتثقيف الرهبان ،فأنشأ لهم مدرسة أحضر لها المعلمين الأكفاء من
المدرسة الاكليريكية بالقاهرة ( كانت تلقى الدروس على الرهبان في الطابق
العلوي من كنيسة مارجرجس الحالية إلى أن أنشأ القمص تادرس أسعد مدرسة
الرهبان التي هى الكلية الاكليريكية الحالية بالدير ).
2 ـ عندما لاحظ أن الرهبان منصرفون عن استكمال تدبيرهم الروحي بسبب
انشغالهم وإرهاقهم في أعمال زراعة الأراضي وعمل الخبز، استحضر فلاحين
ومزارعين بمرتبات شهرية، وكذلك بعض العمال لعمل الخبز وجعل الرهبان يشرفون
على أعمالهم فقط. فانتعشت حياة الرهبان الروحية وبلغ عدد الرهبان الذين
ترهبوا في رئاسته 48 راهباً ( هذا ما أمكن التوصل إليه حتى الآن ) . وقد
تدعمت حياتهم أكثر بعد أن فاحت رائحة فضائل القمص ميخائيل البحيري كقدوة
وأب اعتراف لكثيرين.
3ـ لاحظ أيضاً أن الاحتفالات الدينية التي تقام بالدير ويأتي إليها الآلاف
من الزوار، تسبب تعباً وعثرة للرهبان حيث كان يقيم بعض الأهالي مع الرهبان
داخل الدير وكانت بعض القلالي تؤجر بتصريح خاص من رئيس الدير الأمر الذي
يتعارض مع الهدوء والاعتزال اللازمين للحياة الرهبانية حتى إن أباً مثل
القمص ميخائيل البحيري كان يغلق باب قلايته في تلك الفترة ولا يخرج منها
إلا بعد انتهاء هذه الاحتفالات.. لأجل هذا أمر الأنبا باخوميوس بإبطال هذه
الاحتفالات نهائياً من الدير
4 ـ قام بإعداد مشروع ضخم ألا وهو إعادة شاملة لبناء الدير على أحدث نظام
صحي بما يتفق مع نظام الرهبنة الأصيل ومع تطور علم المباني. فاستحضر
الخبراء الفنيين لوضع التصميمات والرسومات الهندسية اللازمة مثل... الأثري
الشهير المستر سومرز كلارك مهندس كاتدرائية سانت بول بلندن والمسيو
بارتركلو كبير مهندسي لجنة الآثار العربية. وقد أنشأ خصيصاً لهذا المشروع
الضخم سكة حديد تصل بين الدير والجبل لجلب الحجارة بعربات تجرها البغال،
وبدأ في تنفيذ ذلك بتأسيس أسوار الدير سنة 1920م ( على شكل أسوار
أورشليم). كما بدأ في بناء قلالي الرهبان سنة 1926. وكان قبل ذلك قد أنشأ
بيتاً للرئاسة ولاستقبال قادة الكنيسة في الفترة من 1907 ـ 1910م. وأطلق
عليها ( القصر ) نظراً لفخامته في ذلك الحين. وفي نفس الوقت بنى مبنى قبلي
القصر وهو ما يسمى بالوسية، ويتكون من عدة غرف لإقامة المرافقين لضيوف
القصر. ( ويكون بذلك هو أول من فكر بتجديد وتعمير دير بالكامل باستخدام
الوسائل الحديثة في القرن العشرين).
5ـ اشترى سنة 1910 قطعة أرض في مدينة أسيوط أنشأ عليها مباني للإيجار فرغ
العمل فيها سنة 1924 م، كما اشترى سنة 1919 قطعة أرض للبناء في بلدة نزالي
( شرق القوصية ). هذا بالإضافة إلى أنه اشترى أراضي زراعية كثيرة وأيضاً
صحراوية قام باستصلاح جزء منها وهى التي تسمى حالياً كاروت واشترى كذلك
عشرين وابوراً ( ماكينة ) لري هذه الأراضي. وهو أول من أحضر ماكينة لرفع
الماء بالدير.
لقد كان الأنبا باخوميوس حازماً مفصلاً كلمة الحق باستقامة، وشهد له الذين
عاصروه من رجال الكنيسة والدولة لشهامته وحكمته وروحانيته. وكان إلى وقت
قريب يترنم بسيرته وأعماله الصالحة الذين رأوه وتعاملوا معه.