وظهر له الرب عند بلوطات ممرا ... وبكَّر إبراهيم في الغد إلى المكان الذي وقف فيه أمام الرب (تك18: 1؛ 19: 27)
لم يأتِ الرب إلى إبراهيم لينظم
أحواله ويرتب شئونه، أو ليوبخه، لأن إبراهيم قد اتخذ موقفه أمام الرب
كمَنْ هو أهل للقيام في هذه الحضرة. من ثم أخذ الله في كشف أفكاره
لإبراهيم، كما يعمل الصديق من نحو صديقه. فالأفكار كانت بخصوص مدينة وشعب،
لم يكن لإبراهيم أية خُلطة معهم. فكان غريباً عن المدينة وأهلها، وحسناً
فعل. ولكن الرب كان ينظر لإبراهيم كصديق لا كمجرد تلميذ، ولا كخاطئ بل
كخليل. وفهم إبراهيم ذلك، وشعر أن له الحق في معرفة هذه الأفكار. هذا ما
تنتظره النعمة وتفرح به؛ أن نفهم معاملاتها ونتمتع بها. والرب يدعونا أن
نتلذذ في نعمته، ويوّد أنه متى دنا إلينا ندنو إليه، ومتى اقترب منا نقترب
إليه.
هذا ما صار هنا: فالملاكان، إذ عرفا فكر سيدهما، انسحبا من المشهد،
وإبراهيم اقترب إلى قلب الرب، وطفق يشفع في هذه المدينة وشعبها، دون أن
تكون له حاجة شخصية يطلبها من الرب: فلم يكن هناك اعتراف بشر، ولا طلب
أعواز خصوصية، ولكن الرب حدَّثه عن سدوم، فابتدأ إبراهيم يتشفع فيها، وهو
شاعر بقربه لله وبأنه لا شاغل يشغله إلا الاهتمام بالآخرين.
وفي اليوم التالي صعد إبراهيم إلى المكان، حيث كان يكلم الرب عن سدوم،
فوقف على تلال يهوذا المُشرفة على سهول الأردن حيث كانت سدوم، وهناك رأى
لهيب المدينة يتصاعد إلى السماء ورأى دينونة الرب ـ رآها على التلة ـ حيث
كان يناجي الرب بخصوصها في اليوم الماضي. فإبراهيم لم ينج من الهلاك كلوط،
ولا اجتاز فيه كنوح، ولم يُخطف قبل وقوعه كأخنوخ، بل كأنه في السماء، ومن
هناك تطلع إلى الغضب المنصَّب على المدينة وهو لا دخل له به. وإبراهيم من
هذا الوجه يرمز إلى الكنيسة كما نراها في سفر الرؤيا، وليس كما في
1تسالونيكي4. فالشيوخ المُكللون الجالسون حول العرش، رأوا الدينونة تخرج
من العرش دون أن يخافوا، وهذا ما نراه في إبراهيم.
إبراهيم في ص18 يمثل الكنيسة وهي تتعلم أسرار الله (يو15: 15)، أما في ص19
فيمثلها كما نراها في سفر الرؤيا، وهي تُعاين أحكام الله التي يُجريها على
الأرض. قد علم إبراهيم بالأمر أولاً، ثم بعد ذلك رآه مُنفذاً.