لأن الإنسان ينظر إلى العينين، وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب (1صم16: 7)
يظهر من 1صموئيل16 أنه كان بين أولاد يسى مَنْ هو أحسن
منظراً من داود، ولو تُرك الاختيار لصموئيل لاختار أحدهم ملكاً، إذ يقول
الكتاب « وكان لما جاءوا أنه رأى اليآب فقال إن أمام الرب مسيحه »
ولكن ليس هذا مسيح الرب لأن المظاهر الطبيعية لا دخل ولا حساب لها في
اختيار الله، لأن الله ينظر إلى ما وراء الطلاء الخارجي ويحكم حسب فكره
الصالح، لأننا نقرأ شيئاً عن كبرياء اليآب وعجرفته في 1صموئيل17: 28.
والرب لا يضع ثقته في « ساقي الرجل » ولذلك لم يكن اليآب إناء الله المختار. وما أدق كلمة الله لصموئيل « لا
تنظر إلى منظره وطول قامته لأني قد رفضته. لأنه ليس كما ينظر الإنسان، لأن
الإنسان ينظر إلى العينين، وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب »
(1صم16: 7). هذا هو الفارق العظيم بين نظرة الله ونظرة الإنسان - بين
القلب والعينين. وحتى صموئيل كاد يقع في حبائل الثانية لو لم يتداخل الله
ويعلمه قيمة القلب. « لا تنظر إلى منظره »
وهكذا عبَّر يسى أمام النبي كل ما أخرجته الطبيعة من جمال وجلال ولكن بدون
فائدة، ولا عجب لأن الطبيعة لا تستطيع أن تُخرج شيئاً صالحاً لله ولشعبه.
وما هو أعجب من ذلك أن يسى نفسه لم يتذكر داود في كل هذا، فالشاب الأشقر
كان في خلاء البرية مع الغنم، ولم يخطر داود بفكر يسى عند استعراض بنيه -
أبناء الطبيعة - ولكن عينا يهوه كانتا طول الوقت مستقرتين على هذا الغلام
المحتقر، بل كانتا تريان فيه ذلك الشخص الذي يأتي من نسله حسب الجسد يسوع
المسيح المخلّص. لقد اختار الله جهّال العالم ليخزي الحكماء، واختار الله
ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء، واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير
الموجود ليُبطل الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه (1كو1: 27-29). فلو
كان اليآب أو شمة أو أبيناداب أو أحد بني يسى الآخرين قد صُب على رأسه قرن
الدهن، لتمجد الجسد أمام الله. ولكن في اللحظة التي نرى فيها داود المنسي،
نرى فيه في الحال ذلك الشخص الذي يعطي كل المجد لله، وبكلمة واحدة يقف
أمامنا داود كرمز لربنا يسوع المسيح الذي حينما ظهر بين الناس كان
مُحتقراً ومنسياً ومرذولاً.