جاءت من وراءه ولمست هُدب ثوبه. ففي الحال وقف نزف دمها ... فقال لها: ثقي يا ابنة، إيمانك قد شفاكِ، اذهبي بسلام ( لو 8: 44 ، 48)
ما أروعها تلك النعمة التي يتلألأ نورها في كلمات العطف التي فاه بها الرب
لهذه المرأة الخائفة المرتعدة. أول كلمة قال لها: «يا ابنة»، وكأنه يقول
لها: نحن الآن ارتبطنا برباط واحد، نحن أقرباء من عائلة واحدة وأب واحد
ورجاء واحد وبيت واحد. «لأن المقدِّس والمقدَّسين جميعهم من واحد، فلهذا
السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة» ( عب 2: 11 ). وبعد ذلك يقول لها: «ثقي»،
وكأنه يقول لها تمتعي بكل البركات التي حصلتِ عليها إذ صرتِ صحيحة في
الجسم وأصبحتِ ابنة لله «بالإيمان بالمسيح يسوع». ثم ما أعذب قول الرب
«إيمانك قد شفاكِ» مع أنه في الواقع هو الذي عمل كل شيء، وفيه كانت قوة
الشفاء، ولكن الإيمان كان الواسطة التي بها تمكنت هذه المرأة من الحصول
على الشفاء. فغنى المسيح الذي لا يُستقصى، كله مقدم للإيمان.
كانت المرأة تتأخر من حال رديء إلى أردأ ولم تُشفَ تمامًا إلا عندما أتت
ليسوع، وهذا ينطبق على كل أولاد وبنات آدم. فلا حياة روحية أو صحة جسدية
أو بركة سماوية إلا فيه وحده. والنفس غير المتحدة معه، لا يوجد أمامها إلا
الهلاك المُريع. فقد كانت هذه المرأة في حال هي فيه أقرب للموت منه
للحياة، عندما مدّت يد إيمانها لتمس ثوب الرب. فالإيمان هو حلقة الاتصال
بين الخاطئ المائت والمسيح المُحيي.
وهذا يقودنا إلى هذا السؤال المهم الذي يحتاج إلى جواب واحد صريح: هل تؤمن
بابن الله إيمانًا قلبيًا؟ فالمغفرة والتبرير والخلاص وكل حاجة النفس التي
تتطلبها، يمكن الحصول عليها في نفس اللحظة التي فيها تُجيب في حضرته
المباركة قائلاً: «أُومِن يا سيد» ( يو 9: 35 - 38).
والرب يختم كلامه للمرأة بقوله: «اذهبي بسلام»، فقد رُفع عنكِ كل شيء،
ورُفع إلى الأبد «فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع
المسيح» ( رو 5: 1 ). لقد جف نزيفها بالتمام، وهكذا يعامل الله الخطية،
فهو يقضي عليها ويعطي للمؤمن طبيعة جديدة. لقد أصبح لهذه المرأة من كلام
السيد أساس متين لسلامها، فما أكمل وأتم العمل الذي عمله الرب مع هذه
المرأة. فيا ليت كل خاطئ يأتي بالإيمان للرب يسوع، فيرى منه كل عطف وينال
السلام والراحة التامة!