في مثل هذا اليوم من سنة
355 م تنيح القديس العظيم كوكب البرية ، وأب جميع الرهبان ، الانبا
أنطونيوس . وقد ولد هذا البار سنة 251 في بلد قمن العروس ، من والدين
غنيين محبين للكنائس والفقراء ، فربياه في مخافة الله . ولما بلغ عمره
عشرين سنة ، مات أبواه فكان عليه ان يعتني بأخته . وحدث انه دخل الكنيسة
ذات يوم فسمع قول السيد المسيح " ان أردت ان تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك
وأعط للفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني " . فعاد إلى بيته
مصمما علي تنفيذ هذا القول واعتبره موجها إليه ، فاخذ في توزيع أمواله علي
الفقراء والمساكين ، وسلم أخته للعذارى ، ولم يكن نظام الرهبنة قد ظهر بعد
، بل كان كل من أراد الوحدة ، يتخذ له مكانا خارج المدينة . وهكذا فعل
القديس العظيم أنطونيوس . حيث اعتزل للنسك والعبادة وكان الشيطان يحاربه
هناك بالملل والكسل وخيالات النساء ، وكان يتغلب علي هذا كله بقوة السيد
المسيح ، وبعد هذا مضي إلى أحد القبور وأقام فيه واغلق بابه عليه . وكان
بعض أصدقائه يأتون إليه بما يقتات به . فلما رأي الشيطان نسكه وعبادته
الحارة ، حسده وهجم عليه وضربه ضربا موجعا ة تركه طريحا . فلما آتي
أصدقاؤه يفتقدونه ، وجدوه علي هذا الحال ، فحملوه إلى الكنيسة ، وإذ وجد
نفسه تماثل إلى الشفاء قليلا عاد إلى مكانه الاول . فعاود الشيطان محاربته
بأشكال متنوعة في صورة وحوش وذئاب واسود وثعابين وعقارب ، وكان يصور له ان
كلا منها يهم ليمزقه . أما القديس فكان يهزا بهم قائلا : لو كان لكم علي
سلطان لكان واحد منكم يكفي لمحاربتي . وعند ذلك كانوا يتوارون من أمامه
كالدخان ، إذ أعطاه الرب الغلبة علي الشيطان . وكان يترنم بهذا المزمور :
" يقوم الله . يتبدد أعداؤه ويهرب مبغضوه من أمام وجهه " . وكان يعد لنفسه
من الخبز ما يكفيه ستة اشهر كاملة . ولم يسمح لأحد بالدخول ، بل كان يقف
خارجا ويستمع لنصائحه . وقد استمر القديس علي هذا الحال عشرين سنة وهو
يتعبد بنسك عظيم . ثم مضي بأمر الرب إلى الفيوم وثبت الاخوة الذين كانوا
هناك ثم عاد إلى ديره. وفي زمن الاستشهاد تاق ان يصير شهيدا ، فترك ديره
ومضي إلى الإسكندرية ، وكان يفتقد المسجونين علي اسم المسيح ويعزيهم .
فلما رأي منه الحاكم المجاهرة بالسيد المسيح وعدم المبالاة ، أمر ان لا
يظهر بالمدينة مطلقا . ولكن القديس لم يعبا بالتهديد ، وكان يوجهه ويحاجه
، لعله يسوقه للعذاب والاستشهاد ، ولكن لان الرب حفظه لمنفعة الكثيرين فقد
تركه الحاكم وشانه .و بتدبير من الله رجع القديس إلى ديره وكثر الذين
يترددون عليه ويسمعون تعاليمه . ورأي ان ذلك يشغله عن العبادة ، فاخذ
يتوغل في الصحراء الشرقية ، ومضي مع قوم أعراب إلى داخل البرية علي مسيرة
ثلاثة ايام ، حيث وجد عين ماء وبعض النخيل فاختار ذلك الموضع وأقام فيه ،
وكان العرب يأتون إليه بالخبز . وكان بالبرية وحوش كثيرة طردها الرب من
هناك من اجله . وفي بعض الأيام كان يذهب إلى الدير الخارجي ، ويفتقد
الاخوة الذين هناك ثم يعود إلى الدير الداخلي . وبلغ صيته إلى الملك
قسطنطين المحب للإله ، فكتب إليه يمتدحه ، ويطلب منه ان يصلي عنه . ففرح
الاخوة بكتاب الملك . أما هو فلم يحفل به وقال لهم : هوذا كتب الله ملك
الملوك ورب الأرباب توصينا كل يوم ونحن لا نلتفت إليها ، بل نعرض عنها ،
وبإلحاح الاخوة عليه قائلين ان الملك قسطنطين محب للكنيسة ، قبل ان يكتب
له خطابا باركه فيه ، طالبا سلام المملكة والكنيسة . واعتراه الملل ذات
يوم فسمع صوتا يقول له : اخرج خارجا وانظر . فخرج ورأي ملاكا متوشحا بزنار
صليب مثال الإسكيم المقدس ، وعلي رأسه قلنسوة ، وهو جالس يضفر ، ثم يقوم
ليصلي ، ثم يجلس ليضفر ايضا . وأتاه صوت يقول له : يا أنطونيوس افعل هكذا
وأنت تستريح . فاتخذ لنفسه هذا الزي من ذلك الوقت وصار يعمل الضفيرة ولم
يعد الملل . وتنبأ عن الاضطهاد الذي يسحل بالكنيسة وتسلط الهراطقة عليها ،
ثم أعادتها إلى حالتها الأولى ، وعلي انقضاء الزمان ولما زاره القديس
مقاريوس البسه زي الرهبنة وأنباه بما يسكون منه . ولما دنت ايام وفاة
القديس الانبا بولا أول السواح ، مضي إليه القديس أنطونيوس ، واهتم به
وكفنه بحلة أهداها إليه القديس أثناسيوس الرسولي البابا العشرون. ولما شعر
القديس أنطونيوس بقرب نياحته ، أمر أولاده ان يخفوا جسده ، وان يعطوا
عكازه لمقاريوس ، والفروة لأثناسيوس ، والملوطة الجلد لسرابيون تلميذه .
ثم رقد ممددا علي الأرض واسلم الروح ، فتلقتها صفوف الملائكة والقديسين .
وحملتها إلى موضع النياح الدائم . وقد عاش هذا القديس مائة وخمس سنوات ،
مجاهدا في سبيل القداسة والطهر .
صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائما ابديا امين