حوار بين فأرينلقمة يابسةٌ ومعها سلامةٌ خيرٌ من بيت ملآن ذبائح ومعه خصام"
(أم1:17)
خرج فأر من مدينة الإسكندرية متجهًا نحو قرية ملاصقة وإذ كان يتمشى بين المزروعات التقى بفأر يقطن في القرية. رحَّب الأخير بضيفه القادم من المدينة. جاع فأر المدينة فأخذه فأر القرية إلى إحدى مخازن الفلاحين، وهناك قال له: "لقد صنعت ثقبين أحدهما في جوال مملوء قمحًا والآخر مملوء شعيرًا، فلتأكل يا صديقي من هذا أو ذاك!"
بامتعاض قال فأر المدينة: "ألا يوجد لديك شيء آخر غير القمح والشعير؟"
لا، إن الحياة هنا قاسية، ليست كحياة المدن، إنك أسعد حظًا مني.
ولماذا لا تأتي معي وتتمتع بما ننعم به؟ لدينا ما لذ وطاب! لماذا تبقى في هذا الحرمان؟
حقًا، إن حياتنا هنا بلا طعم، لا نتمتع بمأكولات كثيرة! هل لديك مكان في منزلك؟
نعم، تعال، فإن المكان متسع للغاية والمأكولات شهية وعديدة.
انطلق فأر المدينة نحو الإسكندرية وفي صحبته فأر القرية، وتسللا إلى المنزل.
قال فأر القرية: "إني جائع، ماذا تقدم لي؟"
تعال خلفي"...
تسلل الاثنان نحو المطبخ، وإذ اشتما رائحة الطعام، قال فأر القرية: "يا لها من رائحة ممتعة! لقد حُرمتُ كل زمان حياتي من هذه الرائحة؟"
هذا بالنسبة للرائحة، فماذا عندما تذوق... تعال ورائي.
دخل الاثنان في دولاب المطبخ وصنعا ثقبين في كيس للسكر، وصار يأكلان.
كان فأر القرية يلتهم السكر وهو يقول في داخله: "يا له من طعم لذيذ! لم أذق مثل هذا قط من قبل!" فجأة انفتح باب الدولاب، ومدت سيدة يدها لتأخذ كيس الدقيق. همس فأر المدينة في أذن صديقه: "لتُسرع ولتجري ورائي". ثم دخل الاثنان في ثقب.
اهتز كل كيان فأر القرية وهو يقول: "لقد نجونا من يد السيدة!" علق فأر المدينة قائلاً: "لا تخف، إنها لحظات وتُغلق السيدة الدولاب، ثم نعود إلى كيس السكر".
تركت السيدة المطبخ، وعاد الفأران إلى حيث كانا ليأكلا من السكر. وفي طريقهما إلى كيس السكر قال فأر المدينة لصديقه: "تعال معي". وسار الاثنان إلى الرف العلوي حيث يوجد بلح مجفف وتين مجفف مغلف بكيس شفاف. بدأ الاثنان ينقران الكيسين، وبينما كان فأر القرية يأكل منهما مندهشًا، وحزينًا على عمره الذي عبر دون أن يتمتع بمثل هذه الأطعمة، إذا به يسمع صوت مومأة: "مِوْ...مِوْ".
ما هذا الصوت!
هش! لا تتحدث! إنه صوت أخطر قط في المدينة، صياد ماهر للفئران.إن وثب عليك يلهو بك، ويحطم أعصابك.ويقتلك ببطء شديد، ثم يأكلك!
يا له من أمر خطير!لنرجع إلى الثقب الذي جئنا منه حتى يترك القط المطبخ. بقى الاثنان في الثقب، وكان القط يحوم حوله، لكنه لم يستطع أن يدخله.
بعد فترة خرج الاثنان، فدعا فأر المدينة صديقه أن يذهب معه إلى المخزن. وكان المخزن بالنسبة لفأر القرية عالَمًا جديدًا لم يسبق أن يقتحمه.
ما هذا العالم العجيب؟!
هذا هو عالمنا الممتع، فنحن لا نعرف الحرمان الذي تُعانون أنتم منه.
أخبرني عن أسماء هذه الأطعمة، وما هي أشهاها؟! هلم نتمشى معًا، لكي نتذوق كل صنف...فإن غالبية الأطعمة هنا شهية.
E كان فأر القرية يتنقل مندهشًا... يمد رأسه ليشتم كل صنف يلتقي به، ويأكل القليل حتى لا يشبع. فجأة صرخ فأر المدينة: "لا تمل برأسك على قطعة الجبن الشهية!"
بماذا؟ إنها بالحق شهية جدًا!
إن مددت رأسك لتلمسها تنطبق عليك المصيدة.
ماذا تعني؟
تسقط على رأسك قطعة حديد قوية، تطبق على رأسك فتموت في الحال، قبل أن تذق الجبن.
ارتعب فأر القرية وهو يقول لصديقه:
أشكرك يا صديقي على نصيحتك المملوءة حبًا! لكن اسمح لي أن أعود إلى قريتي.
هنا يوجد أطعمة شهية للغاية، لكنني لاحظت أنك تعيش في رعب، تارة تخشى ربة البيت، وثانية القط، ثالثة المصيدة. لأعُدْ إلى القمح والشعير مع السلام وعدم الخوف وأقضي حياتي مطمئن البال.
هب لي روح الشكر الدائم فلا أتذمر قط،
ولا أشتهي ما هو ليس لي.
عجيب أنت في اهتمامك بي يا إلهي!
كثيرًا ما ظننت إنني أُعاني من الحرمان، لكن سلامك الداخلي يُشبع نفسي،
ويحوِّل حتى المرارة إلى عذوبة.
أبونا تادرس يعقوب