طلب من أمن الدولة
أن يحضر لهم الكموني بنفسه ...لكن الجاهز خاف أن يأتي الكموني جثة هامدة.
يمتلك معارض سلع ومزارع سمكية ولنشات وأراضي شاسعة ..ولا يتحرك إلا وهو
يرتدي قميصًا واقيًا من الرصاص ووسط حراسات مشددة من رجاله
ليس سهلاً أن ترسم صورة متكاملة لطارق رسلان، الرجل الذي طفا اسمه بقوة
علي سطح الحياة السياسية بعد مذبحة نجع حمادي.
فمن حوله تدور اتهامات يتبناها الأقباط، بأنه يحمي حمام الكموني مرتكب
المذبحة، فقد كان رجلاً من رجاله، تحديدا بعد قتل نوفل سعد ربيع سفاح قنا،
فقد أحاط نفسه بعدد كبير من الرجال الذين يحمونه من ناحية، ويحققون له كل
ما يريده خاصة أن أعماله تشعبت إلي درجة أسطورية من ناحية أخري.
من المنطقي أن يتبني الأقباط هذا الاتهام لطارق، الذين يصلون إلي أن
الكموني كان مختبئا في فيللته قبل القبض عليه، في إيحاء مكشوف بأنه هو الذي
كان يحميه، وهو الاتهام الذي سقط سريعا أمام ما قاله شهود العيان بأن
الكموني قبض عليه خارج فيللا رسلان، بل إنه كان من ساعد رجال الداخلية في
القبض عليه.
هذه الوساطة هي التي جعلت هناك اعتقادا راسخا بأن الكموني هو من يسيطر علي
الكموني، فهو الذي جاء به، لكن ربما لم ينتبه هؤلاء إلي أن الكموني وفي
هذه الحالة تحديدا لم يكن أمامه إلا أن يضحي بواحد من رجاله، لأن الخطأ
الذي ارتكبه لم يكن من الممكن تجاوزه، فقد وضع نفسه في وجه المدفع، ولم يكن
طارق مستعدا لأن يورط نفسه، فهو يمكن أن يأتي بألف كموني آخر، لكنه لا
يمكن أن يصمد أمام اتهام أنه يحمي من قتل الأقباط ليلة العيد.
لكن ما الذي وضع طارق رسلان أمام فوهة النار، إن جزيرة طارق رسلان في
النيل لا يستطيع أحد أن يقترب منها دون إذنه أو دون أن يحصل علي كلمة
الأمان منه، وإلا فإنه يمكن أن يقتل علي الفور، ولذلك لم يدخل الكموني
جزيرة طارق، بل اكتفي في الهروب في منطقة زراعات قصب اسمها الوقف، ولأن
الجهاز الأمني يعرف جيدا أن الكموني أحد رجال طارق فقد وضعوا علي عاتقه
مسئولية أن يأتيهم به.
معلومات مؤكدة أشارت إلي أن موقف طارق كان ضعيفًا هذه المرة، لقد كان
يتعامل مع رجال الأمن في قنا ببساطة، لكن هذه المرة كان التعامل مختلفا، لم
يسمحوا له أن يدخل إلي جهاز أمن الدولة بسلاحه وتليفونه المحمول، كما كان
يفعل في كل مرة، وكانت هذه إشارة إلي أن الأمر خطير جدا، ولذلك قال لهم
طارق: أنا ممكن أدخل زراعات القصب وأجيب الكموني دون مساعدة من أحد، لكن
اقتراحه لاقي رفضًا تامًا، ولم يكن هناك تفسير لذلك إلا أن رجال أمن الدولة
خافوا أن يقوم طارق بقتل الكموني حتي يتخلص منه ومن أسرار الجريمة التي
قام بها.
قوة طارق رسلان الحقيقية تأتيه من تاريخه القديم كرجل شرطة سابق، ومن
ثروته الطائلة التي كونها خلال السنوات الماضية، وكذلك من مصاهرته لمسئولين
كبار في وزارة الداخلية، يمتلك طارق في قنا مزارع سمكية ولنشات وجناين موز
وأراضي في الغردقة، ولم يكن هذا غريبا فقد قضي سنوات من خدمته الرسمية في
منصبه الأمني بالغردقة، ولا يسير رسلان خطوة واحدة إلا وهو محاط بعدد كبير
من الرجال المسلحين، والشاهد أن كل السلاح الذي يحمله رجال طارق مستورد ولا
توجد قطعة واحدة فيه محلية.
الغريب أنه ورغم هذه الحراسة الشديدة التي لا تفارقه ولو للحظة واحدة، فإن
طارق رسلان اعتاد علي أن يلبس قميصا واقيًا من الرصاص، ويسأل طارق وحده في
ذلك، فهو الذي يعرف أصدقاءه من خصومه، وهو الذي يعرف تحديدا من أين يأتيه
الخطر.
تزوج طارق رسلان مرتين ولديه ولدان وبنت، الزوجة الأولي تعرضت لحادث بشع،
والزوجة الثانية ابنة لأحد المسئولين الكبار في وزارة الداخلية، وعندما
تصاعدت الأحداث في نجع حمادي بعد مذبحة الأقباط، وتم الزج باسم طارق فيها،
نزل المسئول الأمني الكبير إلي قنا، وظل بجوار طارق حتي اطمأن إلي سلامة
موقفه.
ويعرف أهالي قنا جيدا الذراع اليمني لطارق رسلان وهو سيد أبو النصر، أمين
شرطة مستقيل، ويبدو أن طارق كان يعرفه من أيام الخدمة، وقد استقال أبو
النصر من الخدمة لأن طارق رسلان بعد أن قرر أن يخوض انتخابات مجلس الشعب
القادمة أصدر أوامره لكل من يعمل معه أن يستقيلوا من عملهم الحكومي ويظلوا
رجالته فقط
إن طارق رسلان رجل مثير للجدل، علاقاته متشعبة لدرجة مخيفة، وأهم هذه
العلاقات وأخطرها كانت مع ناصر قنديل شقيق فتحي قنديل نائب نجع حمادي،
والذي اتهمته مواطنة مسلمة بأن رجاله اعتدوا عليها وطعنوها في شرفها من
خلال اختلاق علاقة مع مواطن مسيحي، إلا أن حقيقة ما جري كما يقول شهود
الواقعة أن ما حدث كان وراءه ناصر شقيق النائب الذي يريد أن يخوض
الانتخابات بديلا من أخيه، وأنه أراد أن يخلق أزمة بين الكنيسة وبين شقيقه
حتي تتخلي الكنيسة عنه، لكن يبدو أن السحر انقلب علي الساحر.
ناصر قنديل مؤهل متوسط، وهو متحالف مع الغول، رغم أن ناصر وشقيقه فتحي من
الهوارة والغول من العرب، لكن يبدو أن السياسة تجب كل ما قبلها وما بعدها،
إلا أن ناصر تحالف مع الغول نكاية في شقيقه، الذي حاول أن يحرجه أكثر من
مرة بتفجير صراعات طائفية في دائرته، وكأنه يريد بذلك أن يحرقه تماما أمام
الرأي العام وأمام الحزب الوطني.
ظل طارق رسلان بعيدا عن ناصر قنديل، فرغم أنهما ينتميان في النهاية إلي
الهوارة، فمع هذا لم تكن بينهما أي روابط من أي نوع، لكن ما حدث بينهما بعد
حادث فتاة فرشوط التي اتهم الشاب المسيحي جرجس بارومي باغتصابها كان
غريبا، فقد شوهد طارق وهو يجتمع مع ناصر كثيرا في عمارة مملوكة لطارق في
شارع توفيق الحكيم بنجع حمادي، والغريب أن هذه الاجتماعات كان يحضرها حمام
الكموني، ووجه الغرابة أن اجتماع رجلين في حجم وثروة ونفوذ طارق وناصر
لماذا يحضره رجل مثل الكموني.
إن هناك مغالاة في رصد ووصف كل صغيرة وكبيرة يقوم بها طارق رسلان الآن، بل
إن هناك إشارات كثيرة إلي نفوذ طارق، ومنها حضوره حفل الغداء الذي أقامه
الشيخ أبو الوفا للسفير الأمريكي السابق، وحضره كل الوجهاء والنواب، وكان
صاحب الدعوة في الأساس هو ابن الشيخ أبو الوفا رئيس إحدي جمعيات رجال
الأعمال المصرية الأمريكية.
ورغم أن هذه الدعوة التي استجاب لها طارق رسلان عادية ولا مشكلة فيها من
أي ناحية، إلا أن هناك من يري أنه بذلك يستند إلي علاقات خارجية في تأكيد
نفوذه الذي استطاع أن يبسطه علي قنا كلها في فترة وجيزة.
إن طارق رسلان حتي الآن شخصية أسطورية، ومنذ قرر أن يخوض انتخابات مجلس
الشعب المقبلة وحياته تحولت، إن هناك تفسيرا هزليا جدا لما عليه رسلان
الآن، وهو أنه استضاف أسرة مسلسل "حدائق الشيطان" الذي كان يلعب بطولته
جمال سليمان، وأن مشاهد المسلسل تم تصويرها بالكامل في فيللته التي تتوسط
جزيرته بالنيل، وليس عليك إلا أن تستعيد مشاهد حدائق الشيطان لتعرف أين
يعيش طارق رسلان.
بعد أن تم التصوير بالكامل في فيللته وعرض المسلسل، تقمص طارق شخصية جمال
سليمان في المسلسل، الرجل القوي الذي يحكم قنا كلها، ولا يجرؤ أحد علي أن
يتعرض له من قريب أو بعيد، أصبحت الحراسة لا تفارقه، وأصبح هو شخصيًا يحيط
نفسه بأكبر عدد من الحراس، الذين لهم سمات شخصية وجسمانية معينة.
وفي تحقيقات النيابة في حادثة نجع حمادي اعترف حمام الكموني أن طارق رسلان
اتفق معه علي أن يكون من رجاله المقربين، بل أن يكون حارسه الشخصي الذي لا
يفارقه، ومن خلال هذه العلاقة تم تكليف الكموني بحماية مصالح طارق رسلان
ومنها حماية معرض الجزيرة وهو معرض كبير جدا في نجع حمادي، كان الكموني
يقوم بتحصيل الإيجارات وفك الاشتباك بين المستأجرين فيه.
بالطبع لم يجعل طارق رسلان من حمام الكموني رجله وذراعه اليمني من أجل هذه
الأعمال التجارية فقط، ولكن من أجل الانتخابات القادمة، وهي الانتخابات
التي يتوقع الجميع أن تكون صعبة، خاصة بعد الأحداث الطائفية الأخيرة.
إلا أن ما يجب علينا تصحيحه أن طارق رسلان لا ينافس عبد الرحيم الغول، ولا
يفكر الحزب الوطني في أن يستبدل الغول بطارق رسلان، لسبب بسيط أن طارق
سيرشح نفسه في دائرة "الرئاسية"، وهي دائرة أخري غير دائرة عبدالرحيم
الغول.
إنني أمام شخصية غامضة للغاية، كم الأكاذيب التي تحيط بها أكثر من
الحقائق، وقد يكون طارق رسلان نفسه سببًا في هذا الغموض، أعرف أن من في
مكان ومساحة طارق رسلان يريد أن يبتعد عن نار الإعلام، لأنه يعرف أنه كلما
اقترب منها فلابد أن يحترق بها، إلا أنه وجد نفسه وجها لوجه أمام العدسات
ولا مفر بعد أن تم الزج باسمه بين سطور جريمة حمام الكموني.
حتي الآن لم يصرح طارق رسلان بشيء، لم يقل شيئا عن علاقته بالكموني، وهو
الخطأ الذي يقع فيه حتي الآن رجل الأعمال وعميد الشرطة السابق، الذي تطارده
الشائعات حول خروجه من الخدمة وحول ثروته الهائلة وحول أعماله الحالية، إن
صمته سيزيد موجات الكلام من حوله، وهو كلام لن يكون صحيحًا كله، ولن يكون
كاذبًا كله.