توفي صباح اليوم الأربعاء شيخ الأزهر د.محمد سيد طنطاوي عن عمر يناهز 82
سنة، إثر إصابته أزمة قلبية فاجئته في مطار الرياض أثناء زيارته للمملكة
العربية السعودية التي ذهب إليها لحضور حفل توزيع جائزة الملك فيصل
العالمية لخدمة الإسلام.
وسيتم دفن شيخ الأزهر بالمدينة المنورة في السعودية بناء على رغبة أسرته
وسوف تقيم مشيخة الأزهر العزاء في القاهرة مساء الخميس.
كما أعلن
الأزهر الشريف أن الدكتور محمد عبد العزيز واصل سيقوم مؤقتا بتسيير مهام
العمل بالأزهر باعتباره القائم بأعمال شيخ الازهر والمتحدث الرسمى باسمه.
ولقد أثار شيخ الأزهر د.محمد سيد طنطاوي طوال وجوده في منصبه الديني
شديد الأهمية للعالم الإسلامي كله وليس لمصر فحسب، لأكثر من 14 عاما قضاها
على رأس المؤسسة الدينية في مصر، جدلا كبير لا يتعلق فحسب بارائه
واجتهاداته الدينية الخالصة، وإنما أيضا فيما يتعلق بتوظيفه للدين لصالح
السياسات التي يتبعها النظام الحاكم، حتى حسبه كثير من المراقبين أحد
الأركان الأساسية المكونة لنظام الرئيس مبارك القائم منذ عام 1981.
ولد
د. محمد سيد طنطاوي عام 1928- هو نفس العام الذي ولد فيه الرئيس مبارك- في
قر ية سليم الشرقية التابعة لمركز طما بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، حصل على
الدكتوراة في الحديث والتفسير العام 1966 بتقدير ممتاز، ثم عمل كمدرس في
كلية أصول الدين، قبل أن يتم انتدابه للتدريس في ليبيا لمدة 4 سنوات، ثم
عمل في المدينة المنورة كعميد لكلية الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية
وفي أكتوبر عام 1986 صدر قرار جمهوريا بتعيينه مفتيا للديار المصرية، وله
العديد من الكتب أهمها "التفسير الوسيط للقرآن الكريم" و"بني إسرائيل في
القرآن الكريم"، و"معاملات البنوك وأحكامها في الشريعة"
بدا الجدل "الديني" يلحق بشيخ الأزهر الراحل، عندما أصدر فتوى عام 1989
–عندما كان لايزال مفتيا للجمهورية- يحرم فيها التعامل مع فوائد البنوك
باعتباره "ربا صريح"، لكنه عاد بعد ذلك في عام 2003، ليقر بأن فوائد البنوك
مباحة شرعا ولا تعد ربا"، لكن ذلك الجدل تضاعف عندما تشابكت اراء وفتاوى
شيخ الأزهر مع السياسة.
فقبيل الغزو الأمريكي البريطاني للعراق في مارس
2003 بقليل أقال د.طنطاوي الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر
من منصبه بعدما أصدر الأخير فتوى يؤكد فيها "وجوب قتال القوات الأمريكية
إذا دخلت العراق، وأن دماء الجنود الأمريكيين والبريطانيين تعد في هذه
الحالة حلالا، كما أن قتلى المسلمين يعدون شهداء"، وهو ذات الجزاء الذي لحق
برئيس لجنة الفتوى بالأزهر اللاحق "نبوي محمد العش" بعدما أفتى بدوره بعدم
شرعية المجلس الانتقالي في العراق بعد احتلاله، وبرر شيخ الأزهر قرارته
هذه بأن الأزهر لايتدخل في الشئون السياسية للدول، لكن ذلك سلوك قراءه
كثيرون باعتباره يتماشي مع الخط العام للنظام السياسي في مصر، الذي قدم دعم
"لوجستيا" للقوات الأمريكية أثناء غزو العراق.
وفي السنوات الخمسة
الماضية التي شهدت صخبا سياسيا ضخما في مصر، بعدما ظهرت حركة كفاية، وتواتر
الحديث عن النية لتوريث الحكم، وإجراء تعديلات دستورية مرتين في عام 2005،
و2007، ظهر شيخ الأزهر في المشهد منحازا للنظام الحاكم، وبعدما طالبت
المعارضة الشعب بمقاطعة الاستفتاء على تعديل بعض المواد الدستورية عام
2007، بدعوى أنها تعديلات تقلل من هامش الديمقراطية والحرية في مصر "أحد
مواد هذه التعديلات كانت تلغي الإشراف القضائي على الانتخابات"، خرج شيخ
الأزهر الراحل ليؤكد بأن الشخص الذي لن يذهب للتصويت في الاستفتاء هو "آثم
قلبه"، وذلك قبل أن يدخل في معركة حامية مع الصحفيين على خلفية ما عرف
بـ"قضية صحة الرئيس"، في أكتوبر 2007، عندما أثارت الصحف الحديث عن صحة
الرئيس مبارك بعد تردد أنباء عن تعرض للمرض الشديد، حينها خرج د.طنطاوي
ليطالب بـ"جلد الصحفيين" الذين كتبوا "كذبا" عن صحة الرئيس، وهو أمر أثار
موجة كبيرة من الهجوم عليه وبخاصة من الوسط الإعلامي، وظهرت لأول مرة- ومنذ
أن أصبح شيخا للأزهر عام 1996- دعاوي تطالب بعزله من منصبه.
وتكررت
نفس هذه الدعاوي مجددا عندما بثت وكالات الأنباء في نوفمبر عام 2008، صورة
لشيخ الأزهر وهو يصافح الرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز" على خلفية مؤتمر
حوار الأديان بالولايات المتحدة، وأثارت هذه الصورة استهجانا شديدا لدى
قطاع كبير من المصريين والمسلمين على حد سواء في ظل المقاطعة الشعبية
الثقافية والدينية التي تتبناها الشعوب العربية مع إسرائيل، وزاد من حدة
الهجوم على شيخ الأزهر إثر هذه الواقعة هو تفسيره المرتبك للأمر بين أنه لم
يكن يعرف أنه يصافح رئيس إسرائيل في بادئ الأمر، وصولا إلى اعترافه بأنه
أجبر على المصافحة بعدما وجد نفسه وجه لوجه مع شيمون بيريز الذي مد له يده.
وفي الأزمة التي ظهرت بعد قرار فرنسا حظر الحجاب داخل مؤسساتها الحكومية
والتعليمية، انقسمت الآراء حول موقف شيخ الأزهر من ذلك بعدما أجاز للمرأة
المسلمة في فرنسا عدم الالتزام بارتداء الحجاب تقيدا بقواعد دولتهم، وهو
رأي اعتبره فريقا مرنا مناسبا لطبيعة الظروف الطارئة، فيما اعتبره فريقا
آخر تواطئا مع ماوصفوه بـ"هجمة دولية على مظاهر الدين الإسلامي".
وكانت
آخر معارك شيخ الأزهر قبيل رحيله، هي تلك التي وقعت في أكتوبر من العام
الماضي، عندما أجبر فتاة في أحد المعاهد الأزهرية على خلع النقاب باعتبار
أنه "عادة" ولكنه ليس من الإسلام في شئ، وهو الموقف الذي دعمه فيه مجمع
البحوث الإسلامية، ثم تبعه قرار من د.طنطاوي بحظر ارتداء النقاب في المعاهد
الأزهرية وهو القرار الذي صدر معه وضده العديد من الأحكام القضائية.
وبرحيل د.محمد سيد طنطاوي، تظهر العديد من التكنهات حول اسم من سيخلفه في
منصبه الديني المهم، ويبرز اسم مفتي الجمهورية د.علي جمعة كأحد أكثر
المرشحين لصدور قرار بتعيينه في هذا المنصب، خاصة وأن د.طنطاوي كان يشغل
المنصب ذاته قبل أن يصبح شيخ للأزهر، وإن كان البعض يذهب للقول بأن د.علي
جمعة يتمتع بشخصية مستقلة بعض الشئ قد تحول دون أن يصبح شيخا للأزهر.