أخوتي الأحباء في ربنا يسوع
النعمة والسلام لنفوسكم
بكل محبة وصدق ، أكتب أليكم سائلاً الله أن يعطينا نعمة وقوة في الإنسان الباطن لنتقوى ونتشدد ونتمسك بحق المسيح وصدق الإيمان بكل محبة وإخلاص كأولاد لله ، في هذه الأيام الصعبة ، والضيقة العظيمة التي نجتازها بصعوبة بالغة ، ولأجل هذا التشتيت التي لم تعهده الكنيسة من قبل في قلة المحبة وصدق الخدمة وحياة التقوى ...
... بالتعليم النقي المُسَلَّم مره للقديسين الذين حافظوا عليه الآباء بدمائهم ومحبتهم لإلهنا الحي ربنا يسوع المسيح ، وتمسكوا بكلمة الحق التي من روح الإنجيل بحياة التقوى ومهابة الله بحياة السر الفصحي أي الإفخارستيا المقدسة ، أكتب إليكم عن أصول الخدمة الصادقة علنا نحيا حسب قصد الله ونخدم بأمانة وكل صدق القلب بمحبة ...
أن سرّ الخدمة في الكنيسة وهدفها الحقيقي :
" هذه الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع الذي أرسلته " ( يو 17: 3 )
دعوة الكنيسة بالأساس هي دعوة لمعرفة الله ، لأن الكنيسة وجدت الله أو فيها الله ويقول الأب يوحنا كرونستادت:
[ الكنيسة واحدة مع السيد ، هي جسده ومن لحمه وعظامه. والكنيسة هي الكرمة الحية ، التي تتغذى منه وتنمو فيه. لا تُفكر أبداً بالكنيسة بمعزل عن الرب يسوع والآب والروح القدس ]
والكنيسة هي أعضاء المسيح الحي ، هي جسد المسيح :
" وإياه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده .." ( أف1: 22و23 )
" لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه " ( أف 5: 30 )
وهدف الكنيسة الأرثوذكسية هوَّ – كان ولا زال وسيظل – أن يتصور المسيح فينا ...
فالكنيسة لا تُدَّرب ، بل تحوَّل ، تحول الإنسان ليفكر ويعمل وبتصرف ويتشكل ويتقدم وينمو بحسب الله .
الكنيسة لا تُدرب الإنسان لمجرد أن تضع في ذاكرته تعليماً معيناً أو أسلوباً محدداً أو أخلاقاً مميزة ، هذا كله يعمله المجتمع من الهيئات وعلماء التربية وعلم النفس والأسرة ...
ولكن الكنيسة ، تُعيد تشكيل شعبها بالروح القدس والأسرار لتجعل منه الكنيسة جسد المسيح ، وهذه هيَّ أعظم مُعجزة في التاريخ الإنساني كله وهي شهوة كل مُعلم في الكنيسة بل كل خادم وكارز وأسقف وقس وشماس :
" يا أولادي الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم " ( غلا4 : 19 )
يا أحباء الله والكنيسة ، إن خدمة المسيح ، أي الخدمة في الكنيسة ، ليست مناصب ولا ألقاب ولا مسميات ولا أموال ولا مجرد كلمات ولا حفظ دروس ومعلومات ، رغم أهميتها !!!
بل هيَّ – عن حق وجدارة – بذل ودموع واسهار وأصوام وشركة من أعماق القلب والنفس والفكر ، هي حَمل كل إنسان بالحب المنسكب في قلوبنا بالروح القدس ( رو5:5 )
ويقول القديس يوحنا الرسول :
" بهذا عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة ... يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق " ( 1يو 3: 16،18 )
ولنستمع لنصيحة القديس يوحنا ذهبي الفم :
[ عبثاً يحاول مخلوقٍ ما ، مهما حسب نفسه من قوة شخصية ولباقة في الحديث وإقناع ...، أن يحّول شريراً عن طريقة ، فهذا من عمل الخالق نفسه القادر على تغيير الطبيعة البشرية الساقطة .
فخدمة العهد الجديد هيَّ خلق إنسان جديد بالمعمودية ، وتجديد ثوب المعمودية بالتوبة ... وكِلاَ العملين يتطلبان تدخل الروح القدس .
فالمؤمن مهما بدا ناجحاً ... مهما كسب من أُناس ، لن تُجدي خدمته ما لم تؤيدها صلوات كثيرة ، أي ما لم يُسلمها للخالق ليعمل صاحب الخدمة ذاته في نفوس أولاده.
أتشاء أن تُهذب أحداً ؟ متى رايته مهملاً لخلاص نفسه ، أبكِ إلى الله ، وتضرع إليه بشأنه ، وأصحبه على انفراد وأرشده إلى ما يُرضي الله ودبره باتضاع وخضوع ، كما كان يفعل بولس الرسول ... وأحذر أن تدينه بأنه قد أخطأ وسقط ... ]
ويقول القديس مار إسحق السرياني :
[ لا تمقت الخاطىء ، لأننا جميعاً خطاة أثمه . وإن تحركت عليه من أجل الله ، فأبكِ وصلي لأجل نفسه ، ولا تبغضه ... بل الجدير بك أن تبغض زلاته ، وتتضرع من أجله لتكون مشابهاً للمسيح ، لأنه اتكأ مع الأثمه ... أما ترى كيف أنتحب على أورشليم ]
يا أحبائي أعضاء المنتدى بكل من فيه ، أنا لا أعطيكم معلومات ، ولكن أسلمكم مفتاح الحياة الحقيقية ، مفتاح طريق الحق كما عاشت به الكنيسة بكل صدق وأمانة قلب وسلمته من جيل لجيل ، مفتاح اصول الخدمة كما يحق لإنجيل المسيح ...
وأعلموا علم اليقين ، أن الكنيسة أسرة روحية واحدة تعيش من حياة الله التي أُعلنت في شخص الكلمة المتجسد . وكما أن الإنسان يولد في عائلة تُعطيه الغذاء والحنان والملبس والمأكل ، ويشترك في خيراتها الجسدية مع أب وأم وإخوة وأخوات ، هكذا يولد المسيحي في عائلة روحية تسكب في قلبه محبة الله للبشر ، تلك المحبة التي ظهرت للعالم في المسيح الرب ولا تزال تستمر بواسطة الإنجيل والأسرار والتقليد وتغدق عليه النعمة الله وحياته الإلهية .
ففي الكنيسة يشترك المؤمن الحقيقي في حياة الله الثالوث القدوس مع إخوته المؤمنين بالصدق والحق بعمل المسيح والروح القدس في شركة الإفخارستيا مع جميع القديسين وآباء الكنيسة ...
في المسيح ، يصير جميع المؤمنين إخوة أحباء يعيشون في الإيمان الواحد وشركة الأسرار . إن اشتراكنا في كل شيء هو اشتراك في ينبوع الحياة الواحد الذي ينبثق منه حياتنا المسيحية وبها تتغذى لتنمو وتدوم .
يا أحبائي إن أردتم أن تحيوا هذه الحياة بعمق مع كل القديسين ، لا تبتعدوا عن قراءة كلمة الله وسماعها في سرّ الليتورجية والقداس ، وتمسكوا بالمذبح المقدس وداوموا بلا انقطاع على التناول بانتظام ومحبة ، فالإفخارستيا ، هي الأساس الجوهري الحي لأي تعليم أو خدمة ، لأنها القوة الإلهية الحافظة للرأي والفكر الإلهي السليم لكل من يأكل ويشرب منها بكل وعي قلبي وانفتاح كلي لله وتوبة لا تتوقف وصلاة لا تنقطع بمحبة صادقة ...
وإذ كان لي الكثير لأكتبه إليكم ، ولكن كما هو مكتوب :
" أعطِ الحكيم فرصة فيزداد ( أي يصير أكثر حكمة ) " (أم 9:9 )
أرسل لكم أرق مشاعر المحبة ، سائلاً شخص ربنا يسوع المسيح الكلمة المتجسد بشفاعة أمنا المحبوبة القديسة مريم ويوحنا الصابغ السابق والشهيد وصلوات وطلبات كافة القديسين الأطهار أن تتذوقوا الرب كم هو طيب وصالح وغني في الرحمة والحق والنعمة ، ولتمتلئ قلوبكم من سلام الله الذي يفوق كل عقل ...