الموضة هذه الأيام ان من يطالب بحقوقه من الأقباط يتهم بالتطرف . ومن يطالب بالمساواة والعدالة والمواطنة الحقيقية يتهم بتأجيج النيران وإشعال الفتن.
ومن يتظاهر من الاقباط داخل مصر او خارجها يتهم بالخيانة مع ان القبطى سواء داخل مصر او خارجها لم يخن بلده ابدا ودائما لسان حاله يقول : "بلدى وان جارت على عزيزة" .
فعندما تظاهر الأقباط داخل الكنائس خوفا من عصى الامن الغليظة وخوفا من الشارع الاسلامى الذى ازداد تعصبا انتقد الكل الأقباط والكنيسة وقالوا ان الأقباط لابد ان يخرجوا للشارع متظاهرين من اجل مطالبهم وحقوقهم. وعندما بدأ الاقباط فى فعل هذا وخرجوا فى مظاهرة سلمية نموذجية يوم الأحد الماضي 14 فبراير بميدان التحرير تعالت الهتافات وتبارى الكثيرين محذرين من خطورة خروج الأقباط الى الشارع.
فحقيقة احتار الأقباط معكم إذا صمت الأقباط عن الظلم الواقع عليهم اتهمتموهم بالسلبية وإذا تحدثوا وطالبوا بحقوقهم اتهمتموهم بالتهييج والإثارة. وإذا تظاهروا داخل الكنائس قلتم عليهم انهم انعزاليون والكنائس ليست المكان المناسب للمطالبة بالحقوق وإذا خرجوا للشارع للتظاهر حذرتموهم من اللعب بالنار.
فالبرغم من ان هناك نماذج صحفية شريفة هدفها العمل على إصلاح البلاد وإصلاح أحوال العباد وهؤلاء عندما يتصدوا للحديث عن القضية القبطية فأنهم يكتبون بكل موضوعية. إلا إن هناك نماذج سيئة عديدة أخرى خصوصا فى بعض الصحف القومية نستطيع إن نصنفها إلى ثلاثة أنواع عند تصديهم للكتابة عن الأقباط وهم :
ـ نوع يكتب ضد الأقباط نتيجة تعصبه فهو لا يرى فى الاقباط الا كونهم مجموعة من الذميين يعيشون فى كنف المسلمين وحمايتهم وعليهم ان يرضوا بعقد الذمة هذا وعليهم ان يعلموا ان السيد المسلم سواء كان رئس للجمهورية او محافظ او حتى جار بسيط هو الذى يحدد للذمى ماهى الحقوق التى من الممكن ان تعطى له وعليه الا يطالب باكثر منها. أما المساواة والعدالة والمواطنة فهذا لا يخص الذميين بشئ بل هو للسادة الأشراف المسلمين.
ـ نوع يكتب ضد الاقباط نتيجة أملاءات تتم عليه من جهات عليا وهذا النوع لا يرى فى الأقباط الا مجموعة من الرعايا عند السيد الحاكم وعليهم ان يرضوا بالفتات القليل الذى يلقيه عليهم الحاكم ولا يطمعوا فى اكثر من ذلك . فإذا فوض الحاكم المحافظين في إصدار قرارات أصلاح دورات المياه فى الكنائس فعلي الأقباط ان يسبحوا بمجد الحاكم ليل ونهارا وإذا تعطف عليهم الحاكم بإرسال مندوب لتهنئتهم بالعيد فعليهم تقديم الشكر والتسبيح له طوال العام لأنهم رعاياه ولا يحق لهم انتقاده او حتى مطالبته باى شئ .
نوع ثالث كاذب فهو يظل يكذب ويكذب دفاعا عن النظام حتى يصدق نفسه ويخيل إليه إن الآخرين يصدقونه.
كتبت المقدمة الطويلة السابقة كى أوضح ان الزخم الذي حظيت به قضية الأقباط داخل مصر وخارجها بعد مذبحة نجع حمادي نتيجة لمجهودات الأقباط داخليا وخارجيا والتي نجحت فى فضح النظام المصري وتعريته وبينت للعالم كيف يضطهد هذا النظام الأقباط. اقول ان هذا الزخم ازعج النظام وجعل النظام وإذنابه يعملان على سحب البساط من تحت إقدام الأقباط خارجيا وداخليا .
فخارجيا وجدنا مجهودات ابو الغيط وزير الخارجية ومجهودات مفيد شهاب وكلمته أمام مجلس حقوق الإنسان الدولى التابع للأمم المتحدة وكذبه المفضوح لستر عورات النظام المصرى وقوله انه تم بناء 138 كنيسة جديدة بمصر منذ عام 2005 و 527 كنيسة منذ تولى مبارك الحكم.
وداخليا فان جزء من خطة النظام للمواجهة هى استخدام وسائل الإعلام التى يملكها والصحفيين الذين يوجههم للضرب على هذا الوتر فرأينا :
ـ مجلة اخر ساعة بتاريخ 16 فبراير تخصص ملف حول المواقع الالكترونية المسئولة عن التطرف والخطاب الدينى فى المسجد والكنيسة والقنوات التليفزيونية المتعددة التى تصل لحوالي 80 قناة فضائية والتى تقول عنها المجلة انها للمتعصبين وأصحاب الصوت العالى . ولو تمت قراءة الملف بعناية سنجد ان المجلة تلعب لعبة التوازنات الممجوجة والمعتادة وتساوى بين الجلاد والضحية وتساوى بين الخطاب المتطرف الاسلامى الذى يؤدى بمتلقيه الى حمل السلاح والقتل وبين الخطاب المسيحي الذى تقول عنه انه متطرف مع انه لا يمكن ان يؤدى الى القتل ابدا مهما تطرف .
ـ روز اليوسف هى الأخرى خصصت ملف يوم 13 فبراير للتحدث عن: هل الاقباط منعزلون ام معزولون ؟ وراحت ايضا توجه اللوم بطريقة او باخرى للأقباط وتتهمهم بانهم هم الذين اختاروا العزلة وان الكنيسة تجرى دورى يشارك فيه 700 فريق على كاس البابا شنودة وقد تناست المجلة ان سبب ذلك هو العزلة التى فرضت على الاقباط والتى لم يختاروها هم لأنفسهم .
وراينا كذلك ان المجلة تقدم لنا عدد من النماذج الناجحة فى الرياضة كجميل حنا فى رفع الاثقال وبيتر سعد فى الرماية وشهدى عطية فى كرة القدم وتناست المجلة ان هذه الاستثناءات لا تبطل القاعدة التى تقول ان الأقباط مستبعدون . وفى هذا السياق صرح اللاعب القبطي الكبير هاني رمزى مبررا لحسن شحاتة تصريحاته الأخيرة بان قال : "هو فين اللاعبين الأقباط الذى يمكن ان يختار منهم حسن شحاته من يمثل مصر فى المنتخب "
ونسى هاني رمزى ان السبب فى ذلك هو سياسة التجفيف من المنبع التي تمارس على الأقباط فى جميع المجالات الرياضية والعلمية والسياسية وفى غيرها حتى لا تكون هناك كوادر قبطية فاعلة فى اى مجال لذا فان الذين يختارون البراعم والناشئين والناشطين والملتحقين باى مجال يكونوا حريصين كل الحرص على عدم تمرير اى قبطى وان مر أقباط فبنسبة ضئيلة جدا لا تكاد تذكر .
تتحدث ايضا روز اليوسف عن نماذج ناجحة لرجال أعمال أقباط لتدلل على ان الدولة لا تضطهد الاقباط متناسية ان سبب نجاح الأقباط هنا هو التضييق عليهم فى القطاع العام ففضل الأقباط القطاع الخاص الذى نجحوا فيه لبراعتهم وأمانتهم فهم لم يكونوا ثرواتهم من سرقة أموال البنوك ولا المتاجرة بآلام الشعب وآماله ولا باراضى الدولة وشركاتها التى وزعت على المحاسيب والحبايب ولا ولا ولا ... الخ.
ـ أخيرا ناتى لجريدة الجمهورية التى كتب فيها الأستاذ عبد الوهاب عدس تحت عنوان : " مظاهرات المسيحيين فى التحرير خطر " وقد بدأ مقالته بالقول انه تربى فى مدارس مسيحية وان أصدقائه مسيحيين وطالما ان البداية كانت هكذا اذا لن تجد من الكاتب او المتحدث الا سما زعافا وسأحاول الرد على بعض هذه السموم التى وردت فى مقالته بإيجاز فى النقاط الآتية :
1 بداية يتضح انه لا يريد من الأقباط التظاهر والمطالبة بحقوقهم ابدا لاداخل الكنائس ولا خارجها فهو ينتقدهم للتظاهر بالكنائس وينتقد الكنيسة وبعض قادتها كما يقول لانها جعلت من نفسها حضن لهؤلاء المطالبين بحقوقهم. وأيضا لا يريد منهم التظاهر خارجها وبعيدا عن سيطرتها لانه ينتقدهم ايضا هنا لتظاهرهم بالتحرير ويقول انه لعب بالنار.
2 الكاتب يكذب ويكذب ويكذب ويصدق نفسه عندما يقول ان المسيحيين قاموا ببناء أكبر عدد من الكنائس خلال العشرين سنة الماضية وبما يفوق كل تاريخهم ويتساءل الرجل مستغربا :فهل يريدون كنيسة فى كل حارة وكل شارع او كنيسة لكل مسيحيي ؟!!
ولا اعرف اين هى الإحصائيات التي تدلل على صدق ما كتب . الم تسمع ياسيدى عن العديد من القرى بل وبعض المدن الخالية تماما من اى كنيسة ؟ الم تقرأ عن كم الحوادث التى تعرض لها الاقباط نتيجة محاولتهم بناء كنيسة فى قرية خالية من اى كنائس ؟ الم تقرأ عن الاقباط الذين قبض عليهم الامن نتيجة صلاتهم فى بيت احدهم نتيجة عدم وجود كنيسة بقريتهم ؟ الم تسمع عن العديد من الكنائس المغلقة لاسباب امنية ؟ الم تسمع وتقرأ استغاثات الكهنة والاساقفة من اجل بناء او تجديد كنائس قائمة وهناك من يعطل بنائها منذ عشرات السنين ؟
3 الكاتب يقول : ان القبطى ياخذ حقه وان الشرطة تتحيز له على حساب حق المسلم .
يارجل والله العظيم اضحكتنى وادخلت السرور والحبور الى نفسى .ماهذا الكذب البواح ؟ عيب عليك هذا الكذب المفضوح . كنت ساحاول ان اصدقك لو قلت ان الشرطة لا تفرق بين مسيحى ومسلم وكان من الممكن ان يصدقك البعض اما هذا الكذب فسيجعلك أضحوكة للجميع .
4 الرجل يقول ان للكنائس أسوار فولاذية وانه لايوجد اى احد يتدخل فى طريقة بنائها وان اقول لك الم تقرأ استغاثة الانبا اغاثون أسقف مغاغة التى وجهها للرئاسة مباشرة منذ عدة ايام بسبب عدم الموافقة على بناء مطرانية كبيرة على ارض تملكها المطرانية وبجوار المطرانية القديمة بل اشترطوا عليه ان يتم البناء على نفس الارض المقامة عليها الكنيسة الصغيرة القديمة رغم حاجة الكنيسة للتوسع, والامثلة عديدة على تدخل الامن والجهات التنفيذية فى حجم الكنائس وارتفاع اسوارها ومنارتها هذا اذا تمت الموافقة من الأساس .
ويكمل حضرته قائلا :ان الأمن لا يتدخل على الإطلاق فى ما يحدث داخل الكنائس متناسيا ان سبب عدم تدخل الامن على الاطلاق فيما يحدث بداخل الكنائس هو ان الامن موجود 24ساعة/24 ساعة أمام الكنائس ويعرف كل صغيرة وكبيرة بها ويعرف انه لا توجد اسلحة داخلها ولا جلد للمخالفين ولا تحريض على النظام من قبل جماعات تريد الاستيلاء على الحكم كما كان يحدث فى بعض مساجد الصعيد .
5 الرجل لم يكتفي بتحذير الأقباط المطالبين بحقوقهم بل وجه تحذيره الى المسلمين المستنيرين الذين يرفضون الظلم الواقع على أخوانهم الأقباط مدعيا انهم مجرد مرددون لشعارات غير حقيقية.. واهية.. لا يدرون مدي خطورتها.. وقد تناسى الأستاذ الكاتب ان احدهم وهو د. فرج فودة قد دفع حياته نتيجة دفاعه عن الاقباط وان الاخرين سائرين على نفس دربه رغم كل التهديدات التى تواجههم فهل دفع فرج فودة حياته ثمنا لشعارات واهية ؟
6 الكذبة الكبرى فى مقالته هى الربط بين جريمة نجع حمادي وحادث الاغتصاب المزعوم فى فرشوط فهذه الكذبة تراجع عنها وتحاشها معظم المسئولون رغم ولعهم بالكذب لعدم معقولية الربط بين الامرين الا ان كاتبنا العزيز ربط بينهم وجعل من مذبحة نجع حمادى جريمة شرف .
اخيرا أقول ان الأساليب الملتوية التي يلجأ اليها النظام للتغطية على جرائمه ضد الأقباط لن تنفعه فقد فضحت هذه الأساليب ولن تنطلي حيل النظام على احد بعد اليوم وسيستمر الأقباط فى نضالهم السلمي العادل حتى ينالوا جميع حقوقهم.