عودة الجندي الجريح...
بعد انتهاء الحروب عادت باخرة الى احد الموانئ الأميركية تحمل عدداً من الأسرى والجرحى ممن وصلت حالتهم الى البؤس واليأس ، وكان من بينهم شاب عمره 22 عاماً قد أضنته الجراح المثخنة وهدّته الأمراض الموجعة . هو فتى ربيب أسرة مهذبة ، شب رقيقاً على حياة الليونة فشقت عليه حياة الأسر والثكنات العسكرية والحرمان من اللباس الناعم ، أضف الى هذا ما اكتسى به جسده من جروح وقروح مما شق احتماله .
علم أن أخاه الأكبر وليم سيكون على رصيف الميناء . لكنه أخذ يفكر كيف يتسنى لأخيه أن يعرفه وهو على هذه الصورة !! .
وأخذ يحدث رفاقه أن أخاه مهذباً ، يحيا حياة الرفاهية والتنعم ، وله بيت توفرت فيه وسائل العيش الرغيد . ثم أخذ يقول : " كيف يمكن أن يرحبوا بي في هذا الوضع ؟ !! لقد تغيّرت حالتي كثيراً بحيث أن وليم لن يعرفني ! وحتى لو عرفني فانه سوف لا يأخذني معه … انه لا خير لي إلا أن يضمني المستشفى مرة أخرى ليسلمني بعد ذلك الى القبر " . وكان يبكي وهو يتفرس في أسماله وفي الصورة المشوهة التي صار عليها .
وما أن لامست الباخرة رصيف الميناء حتى صعد اليها رجل متين البنية جميل الطلعة ، هو وليم شقيق الجندي الجريح ، وقد كان في انتظار الباخرة اربع ساعات كاملة . وكانت معه عربة فخمة أعد فيها وسائد لينة وأغطية لتحمل أخاه الى القطار ثم الى المنزل .
لقد مرَّ وليم بجانبه لكنه لم يتعرف عليه . لقد تقززت نفسه وهو يتطلّع الى ذلك المُلقى البائس ، قروح في فمه وأنفه ، وجهه متنفخ ، وشعره أشعث ، وجبهته ملفوفة بالأربطة ، أقدام عارية كلها أورام ، مجموعة من الملابس الرثة تكسو جسده … مما جعله يتحوّل مشمئزاً مكروباً .
ذاب قلب الغلام التعيس وقال في نفسه : " هذا هو ما كنت أتوقعه أن وليم لن يعرفني وسيشمئز من منظري " ، ولم يجد لديه الشجاعة الكافية أن يكلمه .
للمرة الثانية والثالثة اجتاز وليم بين ركاب الباخرة ولم يهتدي الى اخيه ، وظن أنه قد مات أثناء الرحلة . وللمرة الأخير أخذ يتفحّص الجنود واحداً واحداً دون أن يتعرّف عليه . بينما كان عتيداً أن يتحوّل سمع صيحة مرّة : ألا تعرفني يا وليم ! " قالها الجريح بشفاه مرتعشة وهو يستجمع أنفاسه بكل قوة .
أخي الحبيب !! لماذا لم تتكلم من قبل ؟! هكذا كان جواب وليم لأخيه . ثم حمله في الحال الى العربة ، بأسماله وجراحه وأوجاعه . ووضع تحت تصرفه كل قوته وثروته وكل ما يملك .
أيها القارئ العزيز ، قد يكون احساسك بخطاياك ووضاعتك وجروحك وقروحك الأدبية والنفسية يشيع في نفسك مثل هذا الإحساس بالنسبة للرب يسوع .. ولكن ثق أنك حين تأتي اليه سيعانقك ويقبلك ويضمك الى صدره كما فعل وليم مع أخيه المضنى ، والفارق بين محبة وغنى وليم وشخص الرب يسوع عظيم لا يقاس.
لقد بيّن الله محبته لك ، وأنت بعد خاطئ مات المسيح لأجلك . ولا يزال يناديك مرحباً بك في احضان محبته قائلاً " من يقبل اليَّ لا أخرجه خارجاً " يوحنا 6 : 37 ومهما كانت خطاياك وآثامك فإن صوت المحبة يناديك " إن كانت خطاياك كالقرمز تبيض كالثلج وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف " اشعياء 1 :18 ويسوع لا يزال يمد اليك يده منتظراً عودتك اليه ، فلا تتوانى لحظة عن المجيء اليه.