يقول
بولس (الرسول): " ملكيصادق
هذا، ملك ساليم، كاهن الله العلى، الذى تقابل مع إبراهيم عندما عاد حيث
كان قد قتل الملوك، وباركه، الذى قسم له إبراهيم عشرًا من كل شئ. المترجم
أولاً ملك البر ثم أيضًا ملك ساليم أى ملك السلام. بلا أب بلا أم بلا
تدوين لميلاده ولا بداءة أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبه بابن الله هذا
يبقى كاهنًا إلى الأبد. ثم أنظروا ما أعظم هذا الذى أعطاه إبراهيم رئيس
الآباء عشرًا أيضًا من رأس الغنائم. وأما الذين هم من بنى لاوى الذين
يأخذون الكهنوت فلهم وصية أن يُعشّروا الشعب بمقتضى الناموس أى إخوتهم مع
إنهم خرجوا من صلب إبراهيم. ولكن الذى ليس له نسب منهم قد عَشَّرَ إبراهيم
وبارك الذى له المواعيد. ويكون واضحًا بلا نزاع أن الأصغر يُبارك من
الأكبر. وهنا أناس مائتون (اللاويون) يأخذون عشرًا وأما هناك فالمشهود له
بأنه حي (ملكيصادق). حتى أقول كلمة أن لاوى أيضًا الآخذ الأعشار قد عُشّر
بإبراهيم لأنه كان بعد فى صُلب أبيه حين تقابل ملكيصادق مع إبراهيم"
(عب1:7ـ10) .
2 ـ التعليق الذى قاله كيرلس :
ياأولادى قد أتيتم الآن إلى
ههنا وتملئون الكنيسة حيث إنكم عطشى وترتوون من ماء الكنيسة لتشبعوا لأنه
بعد ذلك تثمر قلوبكم الثمر الجيد.فكما أن هبة الماء تروى الأرض لتجلب
الثمر عندما تُروىَ باستمرار، هكذا فإن الكلمة وتعاليم الآباء القديسين
التى عُلِّمت بكل حكمة وعلمٍ تدخل إلى قلوب البشر للخلاص.والآن تعالوا
أيها العطاش لتروى ظمأكم حيث نستقبل الماء الذى هو مصدر الخلاص من الحكيم
بولس.
3 ـ يقول بولس عن الموقر
ملكيصادق : " ملكيصادق هذا ، ملك ساليم ، كاهن الله العلى " وبقية ما كتب
عنه . إنه كثيرًا ما يكون الحديث عنه فى أمور كثيرة ، كما يقول بولس نفسه
فى موضع ما : "الذى من جهته الكلام كثير عندنا وعسر التفسير لننطق به إذ
قد صرتم متباطئ المسامع " (عب11:5) . على ذلك سأتكلم فقط عما قيل عنه .
فإنه يوجد من يعتقدون أن " ملكيصادق لم يكن إنسانًا مثلنا ولكنه الروح
القدس أو الله " (أنظرpg 69, 97c ) . فالذين ينادون بهذا الرأى يضلون عن
الفكر العاقل ، لذلك يكون من الضرورى أن نقول لهم : كيف يمكنكم أن تقولوا
عن ملكيصادق أنه الروح القدس أوالله بالرغم من أنكم تسمعون عما قيل عن
ملكيصادق أنه كاهن الله؟ فالروح القدس المساوى فى الجوهر مع الآب والابن
ليس فى درجة كهنوتية، ولم يُلَقَّب بالكهنوت ولا له الحق فيه بطريقة ما،
كذلك فإن وظيفة (ملكيصادق) الكهنوتية لا تليق باللاهوت.وإذا كان هذا لا
يجوز، فأى كاهن يكون هو، كما تعتقدون؟ من يكون أعظم وأفضل وأعلى منه؟ من
ينبغى أن يكون أعلى منه، وهو الذى يرتفع عن الكل؟ ومن هو الذى قُبل فى
الدرجة الكهنوتية ولا يخدم ككاهن ولكن يخدم الله الأعظم والأعلى. فكما هو
مكتوب أن الملائكة ورؤساء الملائكة، والعروش والسيادات يؤدون الخدمة
الكهنوتية للثالوث القدوس والمساوى فى الجوهر (كو16:1،1بط22:3)، فمن جهة،
من هم إذن الذين يخدمون الثالوث، ومن جهة أخرى من هو الذى يقفون أمامه ؟
(pg 69, 97c) .
4 ـ يقولون أيضًا : مكتوب عن
الابن : " لاحظوا رسول إعترافنا ورئيس كهنته يسوع " (عب1:3). ويقولون
أيضًا إن هذا يعنى: "حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائرًا على رتبة ملكيصادق
رئيس كهنة إلى الأبد " (عب20:6). أما أنا فأقول لهم: تفكيركم قد إنحرف عن
الطريق الصحيح للسر المنيف والعظيم لتجسد الوحيد الجنس ربنا يسوع المسيح.
كيف أنكم لم تفكروا أنه لم يسمى "رسول" و " رئيس كهنة " قبل أن يصير
إنسانًا ويتواضع، بينما هو لم يتغير ويتحول؟ فهذا لا يمكن أن يحدث له على
الإطلاق، ومع ذلك فقد تواضع فى شكل إنسان وصار فقيرًا مساويًا لنا وهو
الذى كان غنيًا وإلهًا. فنحن نشير إلى التواضع والفقر كشئ تحلى به عندما
نلقبه بـ "رسول " و"رئيس كهنة ". فكل ما يطابق شكل العبد وهيئة الإنسان
هو"رسول" و" رئيس كهنة " لأنه صار إنسانًا مثلنا . ولكن الآن لو كان الروح
القدس قد صار إنسانًا حقيقة، لأمكنه أن يكون حينئذ كاهنًا، ولأمكنه أن
يتقلد وظيفته رسول، مثلما قد صار الابن من مراحمه، مشابهًا لنا. فعندما
تكون هذه الأقوال المتداولة تجديفًا وليس لها معنى ولا تتفق مع الروح
القدس بأى حال، فلماذا يجدفون على مجد الطبيعة الإلهية المقدسة؟ وليس هذا
فقط بل يحطون منزلة الروح القدس إلى رتبة عبد، ذلك الذى يحكم الكون مع
الآب والابن، والذى تسجد له كل الخليقة وكل الكهنة ممن فى السماء وممن على
الأرض يمجدونه .
5 ـ ويقولون أيضًا : " لقد
دُعى " ملكيصادق " التى تعنى " ملك البر" ـ هذا هو اسمه ـ وأيضًا " ملك
ساليم " . ولكن إنسانًا مثلنا لا يمكن أن يكون " ملك البر " و " ملك
السلام " ، لأن هذا يخص اللاهوت فقط. على ذلك نقول لهم : صيروا يقظين
وإغسلوا الرمال من أعين قلوبكم وافحصوا المعنى الصحيح . فعندما تساوون
الروح القدس بملكيصادق فهل يعقل ذلك ، وعندما تعتقدون فيه مثل عظمة ومجد
اللاهوت بسبب أنه يدعى " ملك البر والسلام " ، فلماذا لا تفكرون حينئذ أنه
يكون فى مجد الطبيعة اللاهوتية لأنه يسود على البر والسلام ، ويمكن على أى
حال أن يخدم وفى نفس الوقت يمكن أن يكون فى اللاهوت ؟ فقد كُتب عن
الملائكة أن ألوف ألوف يخدمون الله (دانيال10:7) . وأيضًا يُقال: " باركوا
الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره ... باركوا الرب يا جميع
جنوده خدامه العاملين مرضاته " (مز20:102) . فإما أنهم أنزلوا الله من عرش
لاهوته وساووه بالملائكة وبالطبع لا يكون متفوقًا عنهم ، أو أن مثل هذا
النوع من الكلام أو التفكير هو عبارة عن تجديف فلا يجوز على الحق ، حيث
إنكم أعطيتم وظيفة لذلك الذى ليس بمخلوق . كيف إذن ضل أولئك الحكماء
والذين عندهم الكتب الإلهية هى أساس للفحص . فبواسطة حمل الاسم لا يصير
جوهر حامله مشابهًا لاسمه . فالذى قاد الشعب إسرائيل بعد موسى يسمى يشوع ،
ومعنىهذا الاسم هو "مخلص الشعب " . هذا الاسم لايجعله مخلصًا ولكنه يخص
فقط ربنا يسوع المسيح مخلصنا . فإنه عندما تكلم غبريال المستحق إلى
القديسة العذراء ، قال : " هوذا أنت تحبلين وتسمينه يسوع ، لأنه يخلص شعبه
من خطاياه " (مت21:1، لو31:1) . فالآن ذلك الذى تقدم إسرائيل بعد موسى
يسمى يشوع ، هل تسمى بذلك لأجل خلاص كل العالم ؟ بالطبع لا ، ولكن فقط
ربنا يسوع المسيح (هو مخلص العالم كله) . وأيضًا الاسم إسرائيل معناه "
عقل يرى الله " وهكذا يسمى إسرائيل الجسدانى ولا يروا الرب بأعين قلوبهم
(إش9:6، مت14:13) ولكن يكرمون عمل يديه كإله وليس كخالقهم . فلماذا إذن
يسمون " عقل يرى الله " ولا يرون الله ؟ أيضًا نحن نسمى " آلهة " و "
أبناء العلى "(مز6:81) . ولا يطلق علينا آلهة بسبب طبيعتنا ولكن ندعى فقط
هكذا لأجل تكريمنا .
6 ـ ويقولون أيضًا عن
ملكيصادق : " بلا أب بلا أم ، بلا تدوين لميلاده ، ولا بداءة أيام له ولا
نهاية حياة " (عب3:7) . هذه وأقوال أخرى مشابهة لا تطابق إنسان . أقول لكم
: أكملوا ما قاله بولس لنعرفوا الحق : " إنه بلا أب بلا أم ، بلا تدوين
لميلاده ، ولا بداءة ايام له ولا نهاية حياة بل هو مُشبه بابن الله "
(عب3:7) . لماذا ليس له أب ولا أم إذا كان ينبغى أن يشبه بابن الله ؟
فإذًا لو لم يكن للمسيح ابن الله أب لشابه ملكيصادق ، ولكن حسب مفهومنا
فإن له أب لأنه وُلد من الله أبيه . كذلك له أم وميلاده قد دُوِّن لأنه
وُلِدَ من العذراء ، تلك التى لم تعرف زواج . وكتب عن ذلك متى : " أما
ولادة يسوع المسيح " (مت18:1) .
7 ـ الآن عندما سنلتقى هنا
ثانية سنناقش السؤال " من يكون ملكيصادق ؟ " فبعد قليل ستكون العظات أفضل
لكى تأتوا كعطشى وترتوا من كلمة الله ، ولكى لا أسقيكم أى إشمئزاز بمادة
وفيرة حتى لا يتوقف عقلكم ويكون كلامنا للسمع ، فتستمعون إلى ما ترغبون فى
سماعه .
فلترافقنا نعمة مخلصنا يسوع المسيح الغنية ، الذى به ومعه المجد والقوة مع الله الآب والروح القدس إلى الأبد . آمين