البــــكور
بقلم قداسة البابا شنوده
( من كتاب الوسائط الروحية)
نسمع عرضاً عن البكور في تقدمة هابيل البار الذي
قدم من " أبكار غنمه ومن سمانها " (تك 4:4). يعنى أفضل ما عنده. وكان ذلك
طبعاً قبل الشريعة المكتوبة..أما في شريعة موسى، فقد نظم الله البكور في
كل شئ، سواء في الإنسان أو الحيوان، أو في ثمار الأشجار. فعن بكور
المواليد، قال:
"قدس لى كل بكر، كل فاتح رحم.. من الناس ومن البهائم. إنه لى" (خر 13:2).
وكان الأبكار من كل الشعب من نصيب الرب يخدمونه،
إلى أن استبدلهم بسبط لاوى وبنى هرون. فهم الأبكار بالمعنى الرمزى أو
الروحى.. وحتى بعد اختيار سبط لاوى، ظل البكر بمكانته كقدس للرب، تقدم عنه
ذبيحة في الهيكل. وهكذا قيل عن السيد المسيح في يوم الأربعين لمولده "
صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب. كما هو مكتوب في ناموس الرب إن كل ذكر
فاتح رحم يدعى قدوساً للرب، ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب "(لو
2: 22، 23).
فما الذي نقدمه للرب من أولادنا؟!
ألا يشمل العطاء الأبناء أيضاً؟! إن لم يكن كل
بكر، فعلى الأقل بعض الأبناء.. إن لم يكن الإبن الوحيد، كما ذهب أبونا
ابراهيم ليقدم ابنه وحيده اسحق، فعلى أحد الأبناء.. إن كان مطلوباً للرب
ككاهن أو راهب، أو لخدمة التكريس أياً كانت..
إن تقدمة البكور أقوى من العشور..
لأنها تكون كل ما للإنسان في ذلك الوقت، فالابن
البكر عند ولادته يكون هو الابن الوحيد، وعندما قدمت حنة ابنها صموئيل،
كان وقتذاك ابنها الوحيد. وحينما صار يوحنا نصيباً للرب كان هو الابن
الوحيد لزكريا واليصابات. وأيضاً السيد المسيح هو الابن البكر للعذراء،
وهو أيضاً ابنها الوحيد، ليس فقط وقت ولادته، إنما خلال كل حياتها.. الابن
البكر له مكانته الكبيرة، وله فرحته وإعطاؤه للرب يحمل تفضيلاً للرب على
النفس بالنسبة إلى المعطى.
ولم تقتصر وصية البكور على الابن البكر، إنما شملت كل البكور، فأمر الرب من جهة:
بكور المحاصيل، وثمار الأشجار.
وقال في ذلك " أول أبكار أرضك تحضره للرب إلهك "
(خر 23: 19). " تأتون بحزمة أول حصيدكم إلى الكاهن. فيردد الحزمة أمام
الرب للرضا عنكم " (لا 23: 10). " تأخذون من أول كل ثمر الأرض.. وتضعه في
سلة.. وتأتى (به) إلى الكاهن.. ثم تضعه أمام الرب إلهك " (تث 26: 2-10)
كذلك أمر الرب من جهة بكور الحيوانات.
فقال " تقدم للرب كل فاتح رحم، وكل بكر من نتاج
البهائم التي تكون لك، الذكور للرب. وكن كل بكر حمار تفديه بشاه " (خر 13:
12، 13).. "لى كل فاتح رحم. كل ما يولد ذكراً من مواشيك، بكراً من ثور
وشاة. أما بكر الحمار فتفدية بشاه" (خر 34: 19).
و أيضاً أول العجين..
حتى حينما يعجنون للخبز، ورد في سفر حزقيال "
وتعطون الكاهن أوائل عجينكم، فتحل البركة على بيتك " (خر 44: 30). وهكذا
يأخذ الرب من أوائل (بكور) كل الذي لك. فتجعل الرب أولاً في كل شئ. يكون
أول من يأخذ من شجرك وأرضك وغنمك وبهائمك، بل أيضاً أول نسلك. فيبارك الرب
الكل. وحتى حينما أخذ اللاويين بدلاً من الأبكار، طلب أن تقدم ذبيحة عن
بكرك، لتفديه، فقال " وكل بكر إنسان من أولادك تفديه " (خر 13: 13، 15).
كيف ننفذ إذن وصية البكور في أيامنا.
ليست ثروة كل الناس محاصيل الأرض أو نتاج الماشية والأغنام. ففى عصرنا الحاضر:
vتدفع للرب أول مرتب تستلمه في وظيفتك، ويفضل أول
شهر من مرتبك. فالذى يعين في وظيفة في الربع الأخير من الشهر، هل يكفى أن
يدفع هذا الربع باعتباره البكور؟
vتدفع للرب أيضاً أول علاوة، وأول زيادة في
ترقيتك، وأول منحة، وأول أجر لعمل إضافى: بالنسبة إلى الطبيب مثلاً أول
كشف أو أول عملية جراحية. وبالنسبة إلى المدرس أول درس خصوصى.. وهكذا في
باقى الحرف والوظائف