الضمـيــــر هــو الآلة التي يستخدمهـــا اللــــه لتوجيه الإنسان، لكنها كثيراً ما تكون معطلة !!
قال صاحبي:
الساعة توقظني من أحلى أحلامي، دقاتها تهاجم أذني في منتصف الليل، وتتركني
قلقاً معذباً حتى الصباح! مستقبلي كله تهدده هذه الساعة المشئومة. هل لديك
حل؟
قلت لصاحبي: إذا لم تكن تمزح، فإن الحل بسيط، أخرج الساعة من غرفة نومك، أو ثبتها على حائط بعيد، أو استبدلها بساعة رقمية ليس لها دقات.
قال صاحبي: إنها ليست ساعة حائط كبيرة كما تتصور، إنها ساعة يد صغيرة معطلة منذ زمن بعيد!
قلت لصاحبي: لو لم أكن أعرفك جيداً، لشككت فيك،
لكني واثق من جديتك ورجاحة عقلك، فأسرع برواية قصتك قبل أن ينتابني القلق
والخوف من وجودي معك في غرفة واحدة!
وابتسم صديقي وقـال: ثق أنني بخير، لكن مـا
يقلقني لا يخلو من الغرابة. فقد حدث منذ سنوات كثيرة أنني كنت أعبر
الطريق، فرأيت رجلين يتشاجران، وقد أمسك كل منهما بخناق الآخر، وتشابكت
أيديهما، ثم ألقى أحدهما الآخر أرضاً، فأفلتت ساعة يده من حول معصمه،
وقفزت في الهواء لتسقط تحت قدمي. وبدون أن أدري انحنيت، والتقطت الساعة،
وظللت واقفاً إلى أن يهدأ الشجار، لأعطي الساعة لصاحبها. ولكن المتشاجرين
اندفعا بعيداً عن الساحة وظللت أنا ممسكاً بالساعة في يدي.
وبالطبع كان يمكنني أن أتبعهما إلى الشارع المجاور، حتى أسلم الساعة
لصاحبها، خاصة وأنني قد تبينت بوضوح ملامح وجهه، ومكان الساعة الخالي في
معصم يده اليسرى. لكنني لم أفعل. ظللت واقفاً حتى انفض الجمع، ويدي قابضة
بشدة على الساعة!
وفي طريق جانبي وضعت الساعة في جيبي، وأخذت دقات قلبي تضرب بشدة، وأسرعت
إلى المنزل، وعندما دخلت حجرتي أغلقت الباب من الداخل، ثم أغلقت النافذة،
ونظرت في كل اتجاه حولي لأتأكد أن أحداً لا يراني، ثم أخرجت الساعة من
جيبي. ونظرت إليها بنظرات تائهة.
ومضت لحظات لم أكن أعرف فيها أين أضع هذه الساعة، وأغمضت عيني، وألقيت
بجسدي على فراشي، وتصبب العرق على جبيني، وأحسست بمهانة اللص وهو يواجه
عيون الناس. كانت مواجهتي مع نفسي قاسية للغاية. وعندما التفت إلى المرآة
أدرت وجهي سريعاً، فقد كان أمامي شخص آخر غير الذي عرفته في حياتي.
وتنهــد صاحبــي وقال: الغريب أن الساعــة معطلة، ولا تدق، لكن دقاتها
توقظني بالليل.. ضميري ثائر، ونفسي قلقة، ولا أدري كيف أستعيد راحتي.
هذا المتحدث بغير صوت!
لقد كان من رحمة الله بالإنسان، أن جعل في داخله جهاز
استقبال حساس - اصطلح على تسميته بالضمير!
ومن خلال هذا الجهاز يتحدث الله إلى قلوب الناس، فينبههم إلى مواقع الخطر، وينذرهم كلما جنحت نفوسهم إلى موارد الهلاك.
وهذا الجهاز الحساس - الذي ندعوه الضمير، يقوم بعملين أساسيين، فهو يقوم بدور جرس الإنذار الذي يدق للتنبيه قبل الوقوع في الخطأ. وهو كمطرقة التأنيب يبكتنا إذا تعمدنا الخطأ.
وهـذان العمـلان للضمير، يهدفـان إلى حمايـة الإنسان حتـى لا يسقط، ثم حثه على النهوض إذا هو سقط.
صوت الأبدية!
ولكن الضمير له دور آخر. إنه صوت الأبدية في داخل الإنسان، الصوت الذي
يوجه أنظارنا إلى آفاق كونية أبعد من حدود الماديات الملموسة، وأبعد من
حدود العمر القصير.
إن الضمير الطاهر هو الرادار الحساس الذي يلتقط الرسائل التي يبعثها روح الله القدوس، ليفتح أمام الإنسان آفاق الأبدية والخلود.
إنه الصوت الداخلي الذي يستخدمه روح الله ليكشف لنا طريق الحياة الأبدية، ويوضح لنا ما يصعب علينا إدراكه من أسرار الخلود.
نحن وضمائرنا!
لكن ضمائر الناس، ليست دائماً كالأجهزة الحساسة الدقيقة، التي تلتقط
الإشارات! إن لبعض الناس ضمائر يقظة، تستمع إلى ما يبثه روح الله، وتفهم
إشاراته وتوجيهاته، فتدرك بوضوح طريقها إلى الله، وتمتلئ نفوس أصحابها
بالسلام الداخلي، واليقين الكامل بالسعادة الأبدية والخلود.
ولكن بعض الناس لهم ضمائر بليدة الحس، لا تلتقط همسات روح الله، ولا تفهم إشاراته، وتظل خامدة في مادياتها المحسوسة.
ولبعض الناس ضمائر نائمة.. فقد استحسنوا أن يغلقوا هذا الجهاز الحساس، حتى لا يبكتهم على أخطائهم، عابثين بأمر حياتهم الأبدية.
وبعــض الناس ماتت ضمائرهم، إنها ليست نائمة إلى حين، بل أصبحت ضمائرهم
ميتة لا تتأثر بصوت إنذار، أو بصوت تبكيت. لذلك فإن روح الله يتحدث إليهم،
لكنهم لا يتجاوبون، حتى تنتهي حياتهم، فيهلكون في جهلهم.
لذلك يقول «ولتون»:
«من يفقد ضميره، لا يمتلك شيئاً يستحق الحفظ».